أيام معدودات ويهل علينا شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات الذي تصفد فيه الشياطين ويتفرغ فيه المؤمنون للعبادة كونه شهر الرحمة والمغفرة. سؤال؛ هل يمكن الاستفادة من هذا الشهر الذي تصفو فيه النفوس وتهدأ وفيه يتواصل الناس لإيجاد مخرج للأزمة التي صرنا فيها منذ أن أغوى شيطان فبراير شبابنا؟ أم أننا سنفشل كما فشلنا في رمضان الماضي؟

ليس أفضل من فرصة شهر رمضان لتهدئة النفوس وللمصالحة ولرمي الملفات كلها وراء ظهورنا وبدء صفحة جديدة في مشوار هذا الوطن الذي لا يكون إلا بمكونيه الأساسيين. ليس أفضل من شهر رمضان ليتقبل فيه أحدنا الآخر ولنتصافح ونهدأ. ليس أفضل من شهر رمضان كي نبدأ فيه حواراً جميلاً يوصلنا إلى الباب الذي نمر عبره إلى الانطلاق من جديد والتفرغ لبناء الوطن.

المؤسف في هذا الأمر هو أن هذا الكلام يردده الجميع لكنه لا يجد ترجمة على أرض الواقع، فالكل يقول إن شهر رمضان فرصة لتصافي النفوس وتجاوز الخلافات والتفرغ للعمل وبناء الوطن، وهذا الكلام يتردد ليلياً في مجالس رمضان، التي ولله الحمد لاتزال تستقبل الجميع وإن بشيء من الحساسية التي تفرضها الظروف وما مرت به البلاد من أحداث مؤلمة وغريبة، لكن هذا الكلام للأسف يظل كلاماً وأمنية لكنه لا يتبع بفعل.

ما ينبغي أن نقوم به هو أن نتفق الآن وقبل حلول شهر رمضان المبارك على أن نتوقف جميعاً عن مختلف الممارسات السالبة للأمن وللألفة فيما بيننا، نتفق على أن يتوقف أولئك الشباب عن أفعالهم التي وإن جاءت تحت عنوان الضغط على الحكومة فإنها تؤذي الناس الأبرياء وتعطل حياتهم، ونتفق على أن يمتنع رجال الأمن عن التعامل مع بعض تلك الممارسات اللامسؤولة بالطريقة التي يجيزها لهم القانون واعتبار ما قد يحدث أنه «حدث سهواً» أو أنه لا يرقى إلى التعامل معه!

ليس كثيراً على شعب البحرين الواعي والمتعلم والمثقف أن يهادن نفسه خلال شهر رمضان ويعتبره فرصة للوصول إلى الحل، وليس غريباً على البحرين، هذا البلد الموغل في الحضارة، أن يستغل أي فرصة ليعيد بناء نفسه وينطلق لينافس على الوصول إلى أعلى المراتب التي هو لها دائماً.

ليس أفضل من شهر رمضان فرصة لنفض ما علق بنا من نتائج أفعال لم يحسب لها بدقة فهو شهر الخيرات، والتصالح من الخيرات، والتوقف قبل ذلك للتقويم والمراجعة من الخيرات، وكذلك من الخيرات إبداء حسن النية والتوقف عن مجمل الممارسات التي تكاد أن تصير من سمات مجتمعنا الآمن.

نعم حدثت تجاوزات، الكل أخطأ، والسبب بسيط هو أن ما حدث كان جديداً على الجميع، لم يحدث أن مرت البحرين بهكذا حدث، ولم يحدث أن مر أهل البحرين بهكذا ظروف، ما يعني أنه لا توجد خبرة سابقة، وغياب الخبرة في أي مجال يوسع من هامش الخطأ، وهذا أمر طبيعي ومنطقي.

ما مرت به البحرين كان جديداً وغريباً ولا خبرة لها فيه ولهذا وقع الجميع في أخطاء، وما قرار جلالة الملك إنشاء لجنة التحقيق الدولية التي تولاها بسيوني إلا لعلم جلالته بحدوث أخطاء ينبغي تصحيحها. لكن الاستمرار في لوم بعضنا البعض ومحاسبة بعضنا البعض واتهام بعضنا البعض يزيد من الشقة والتفرق ويصعب الحل، فالمشكلة -أي مشكلة- يصعب حلها وتتعقد كلما أوغلت في الزمن، وإذا كان بإمكاننا اليوم أن نستغل شهر رمضان المبارك في التصافي وصولاً إلى التعافي فإن الاستمرار في الحال نفسه يعقد مشكلتنا ولن ينفع معها من ثم لا رمضان ولا الأشهر الحرم!