الحديث عن الأزمة الإسكانية وكما أسلفنا سابقاً، يعتبر من الأحاديث المؤلمة ذات الشجون، فمهما سطرنا هنا من كلمات ومن عبارات أو انتقينا من مفردات، فإنها لن تفي بالغرض، ولن توصل حجم معاناة الناس فيما يخص الأزمة الإسكانية في صورتها العامة.
يتفق كل من التقيته من النواب أو بعض المسؤولين وحتى عامة الناس، أن الحل الحقيقي للأزمة السكنية في البحرين، لا يكون عبر بوابة وزارة الإسكان فقط، وإنما عبر هيئة وطنية فاعلة، يتم اختيار أعضائها بعناية فائقة، وتعمل على مدار الساعة، وتكون ميزانيتها مفتوحة بشروط متصلبة، حتى لا نعالج أزمة إسكانية بأزمة فساد مالي.
مشكلة وزارة الإسكان، أنها لا تريد أن تعترف بعجزها عن مواجهة الأزمة الإسكانية التي تمر بها البلاد، وهذا أمر خطير للغاية، لأنها بذلك تعرض مستقبل المواطنين للضياع، كما يعتبر ذلك مكابرة في مقابل عدم قدرتها معالجة الأزمة باقتدار، وقيل قديماً “الاعتراف بالذنب فضيلة” ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه.
ليس عيباً أبدا أن تقر وزارة الإسكان، بأنها غير قادرة على وضع حلول ناجعة للأزمة الإسكانية الكبيرة، بل عليها أن تعترفّ بذلك، وأن تعترف أيضاً بمدى إمكانياتها المتواضعة بالنظر إلى حجم الأزمة، لكي تنأى بنفسها عن أية مساءلة قانونية وأخلاقية، وحينها من المؤكد أن الجميع سيعذر قصورها لا تقصيرها.
الهيئة الوطنية للإسكان، هي مطلب شعبي ونيابي معاً، كما إنها تعتبر الحلقة الأولى من حلقات سلَّم الحل، مضاف إلى كل ذلك، في كونها هيئة مستقلة، غير خاضعة لتوصيات الحكومة، وغير قابلة للابتزاز أو الضغط، تحت مسميات الفساد المعروفة، مثل الواسطة والشللية والمحسوبيات المتخلفة، وهذا لن يكون إلا في حال خَضَعَتْ هذه الهيئة للرقابة الشعبية عبر من يمثلهم من النواب ومن كافة مؤسسات المجتمع المدني.
من جهة أخرى، هنالك اليوم جدل واسع بخصوص البناء العمودي لوزارة الإسكان، حيث ذهب غالبية المراقبين والمختصين وجموع المواطنين إلى فشل هذه المشاريع الارتجالية، لأنها صادرة من أشخاص تتخبط في قراراتها، إضافة لكل ذلك، فإن مشاريع البناء العمودي للإسكان، لا تتسق وطبيعة الأسرة البحرينية الكبيرة، التي عاشت ردحاً من الزمن بطريقة أكثر انفتاحاً واندماجاً مع كافة شرائح المجتمع، كما هنالك أسباب أخرى لا يسع المجال لسردها هنا.
في المقابل، هنالك فئة قليلة ترى العكس من ذلك، حيث إنها آمنت بأن لا مساحات مسطَّحة في البحرين، وأن البناء العمودي أثبت نفسه علمياً وعملياً بين كل العالم، وهو مشروع المستقبل الذي لا فرار منه، إضافة أن واقع الأزمة الإسكانية في البحرين، ستجبر القائمين على حل الأزمة الإسكانية، أن يتجهوا للبناء العمودي كخيار وحيد للمستقبل، ومن لا يقبل به اليوم “بالطيب”، سيتقبله غداً “بالغصب”، وإلا سيكون خارج الأداء العالمي.
هذه المسألة، هي إحدى أهم المسائل التي يجب معالجتها، وتطبيقها في الواقع عن طريق الإقناع، وليس بطريقة الفرض والإجبار، هذا ناهيك عن الكثير من المسائل المهمة التي يجب أن تناقشها اللجنة العليا المفترضة للإسكان.
نحن نقدر جهود الإسكان، هذا صحيح جداً، كما إننا نقدر الجهود الحثيثة التي يقوم بها وزير الإسكان، إضافة أننا لا نشكك مطلقاً في نوايا أحد ولا نحاكمها، لكن الأزمة الكبيرة، خلقتْ لدينا هواجس وطنية عملاقة، لا يستطيع الوزير ولا الوزارة أن يعالجوها من دون أن يشارك في صناعة الحل كل من يعيش على تراب هذه الأرض، من أجل توفير مسكن ملائم لنا ولعيالنا، ومن دون تقصير أو حتى من دون مزايدات في ملف شائك، يمكن أن يحوِّله بعضهم إلى جهة الملفات السياسية أو الفئوية، في حال لم يتم معالجته في أسرع وقت ممكن.
علينا اليوم أن نحرف الشعار الحاصل عملياً، وهو “همّ لكل مواطن” إلى “بيت لكل مواطن”، وذلك عبر توفير سكن آمن كريم ومحترم.