برنامج “كلمة أخيرة” في حلقته الأخيرة قدم في سياق النقاش دلائل واضحة على “الانحياز الواضح” والتعاطي الانتقائي من قبل وزير العمل مع اتحاد عمال البحرين “غير الشرعي” على حساب “الاتحاد الحر”، والذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن ولادة هذا الاتحاد الأخير كانت ولادة “جداً مزعجة” للوزير قبل الاتحاد “المحرض” نفسه.
مع الاحترام الشديد للوزير إلا أن سرده للقوانين والتشريعات وإجابة التساؤلات بتساؤلات أخرى كلها أمور لا تغني عن إجابة السؤال الأهم، وهو سؤال كتبته قبل شهور هنا، ويتذكر سعادة الوزير جيداً اتصاله بي يومها والذي لم يتضمن أية إجابة على السؤال، بل وعد منه بأنه إذا عرف سيطلعني على ذلك، متذرعاً بأن هناك أمور “من فوق”، ولا أدري أي “فوق” يقصد هنا!
السؤال الذي ناور الوزير في إجابته هو: لماذا لم يقم بمحاسبة الاتحاد ورئيسه على مشاركته الصريحة في “المحاولة الانقلابية”؟! لماذا لم يتخذ إجراءات ضد الاتحاد نظراً لارتكابه تجاوزات واضحة وصارخة؟! بل لماذا الاتحاد ورئيسه مازالا يمارسان نفس الدور ولا رادع قانوني ولا محاسبة ولا أي شيء؟!
هنا لا تقنعونا بأنه لم ترتكب مخالفات من قبل الاتحاد تستوجب محاسبته بل حتى حله، إذ يكفي أن هذا الاتحاد تسبب بالضرر لمنتسبيه من عمال عندما “سيس” العمل النقابي، وحينما استغل أداة “الإضراب” وحرفها عن هدفها الذي كفلته القوانين من إضراب بشأن مطالبات عمالية وتحسين بيئة العمل وتوابعها إلى إضراب “سياسي” لإسقاط النظام!
ساعاتان من الحديث، تخللتهما مداخلة وإجابات لوزير العمل، وبغض النظر عن دقائق تفاصيل إلا أن الخلاصة تتمثل بالنقاط أدناه:
أولاً: اتحاد العمال برغم كل ما ارتكبه لم تتم محاسبته أبداً، أبداً، أبداً! الوزير لم يقم بخطوات جادة في هذا الجانب. وإن كان التبرير أنه لا يملك الحق في ذلك، فعليه إما المطالبة بتعديل القوانين بحيث تمنحه الحق الذي تملكه وزارة العدل تجاه الجمعيات السياسية أو وزارة التنمية بشأن الجمعيات والصناديق الخيرية، وحتى مؤسسة الشباب بحق الأندية. لكن الوزير لا يتحدث بأسلوب يوحي بامتعاضه من ذلك، بل يتحدث وكأنه “قابل” و«مسلم” بهذا الوضع، وكأنه راضٍ عنه.
إن لم تكن راضياً عن ذلك، وإن كنت تعترف بوجود تجاوزات، وإن كنت تشعر أصلاً بالاستياء الكبير المتولد من تصرفات هذا الاتحاد المسيس المختطف، وخطورة ما يقوم به، فعليك اتخاذ الإجراءات الجادة تجاه ذلك، أما المهزلة الحقيقية بأن يقوم هذا الاتحاد بتشويه صورة البحرين في الخارج وعلى مرأى ومسمع من الوزير نفسه، ومن وفد الوزارة الرسمي، ثم يكون الإنجاز الذي يتفاخر به هو “إقناع” أعضاء المنظمة بعدم قبول الشكوى، فإن هذا والله ضحك على الذقون، إذ اما كان من باب أولى إقناع رئيس الاتحاد “المسيس” بسحب هذه الشكوى في إحدى جلسات مكاتب الوزارة أوالسفرات لجنيف إن كان بالفعل يمتلك هذا الاتحاد نوايا صادقة تجاه بلده؟!
ثانياً: مجلس إدارة الاتحاد غير شرعي بموجب القوانين واللوائح، والتبرير بأن للجمعية العمومية حق التمديد لمجلس الإدارة مبرر ضعيف، ومن المعيب جداً أن يصدر عن الوزير وكأنه يدافع باستماتة عن الاتحاد ويبررله أفعاله، وما فهمناه من الحديث بأنه يمكن للجمعية العمومية تمديد عضوية مجلس الإدارة إلى ما شاء الله، وطبعاً الوزير – بحسب كلامه - لا حول له ولا قوة!
ثالثاً: التبرير بأنه من الصعوبة اتخاذ إجراء ضد الاتحاد نظراً لارتباطاته الخارجية وعلاقاته بشخصيات منظمة العمل، تبرير يدل على “الهوان”، نعم “الهوان” يا وزير، إذ حسب مفهوم كلامك فإن من يمتلك العلاقات ومن يبنيها في سنوات يمكنه استغلالها كيمفا يريد، ويمكنه بالتالي “لي” ذراع الدولة، وعلى الدولة التفرج وعدم القيام بشيء!
رابعاً: محاربة الاتحاد الحر، إذ لماذا علينا التسليم بكل كلمة قالها الوزير على أنها الحقيقة الدامغة رغم أنه ناور ولف ودار ولم يجب على أهم التساؤلات المعنية بمحاسبة الاتحاد “المحرض”، بينما يجب علينا التشكيك بما قاله اثنان من مؤسسي الاتحاد الحر اللذان تواجدا في الحلقة يعقوب يوسف وعلي البنعلي بشأن المعاناة التي شهدتها ولادة الاتحاد؟!
المؤسف أنه لم تتح للاثنين فرصة لمناقشة الوزير والدخول معه في حوار مباشر، وعلى مسمع ومرأى من الناس والرد بالحجة على الحجة خاصة وأنهما يعرفان التفاصيل أكثر، وعايشا ما فعله الاتحاد “التحريضي” خلال الأزمة، ويعرفان تماماً ماذا فعلت الوزارة تجاه ذلك، والذي هو باختصار “لا شيء”، بالإضافة لمعرفتهما تفاصيل عملية المخاض العسير لولادة “الاتحاد الحر” والذي نجزم بأنه كان سيتعرقل لولا توجيهات الحكومة المباشرة والتوجيه “الصريح” لرئيس الوزراء بتسريع إجراءات الإشهار، والتي لم يكن لها أن تصدر لولا وجود مماطلة واضحة هدفها “إجهاض” ولادة هذا الاتحاد لأنه سيشكل “شوكة” في حلق الاتحاد المسيس ومن يحركه ويخطط معه من جمعيات وغيرها.
خامساً: كان واضحاً تماماً –بعد إنهاء الاتصال بالوزير- أن ما قاله علي البنعلي يتضمن أموراً خطيرة جداً يفترض أن تكشف وأن تصل لأعلى مستوى قيادي في البلد، إذ استشراف المستقبل بناء على المعطيات الموجودة، وبناء على الموقف المتخاذل من وزارة العمل يكشف بأن “الاتحاد الحر” سيتم إقصاؤه بشكل أو آخرعن تمثيل البحرين في المحافل الخارجية، وهذا هو الهدف الرئيس من “عرقلة” أمور الاتحاد، لأن جلسات “جنيف” أصبحت حقاً مكتسباً ودائماً بل أبدياً لرئيس الاتحاد “المسيس” لا يمكن التخلي عنه أبداً، إذ ما هي أسهل طريقة لتشويه صورة البحرين غير أن يقوم وفد مكون من عناصر انقلابية يفترض أنه يمثل البحرين لا “الوفاق” وغيرها برفع شكوى على البحرين؟! المفارقة أن وفد وزارة العمل يسمع ويتفرج ويبرر، أكرر “يبرر” بدلاً من فضح هذا الاتحاد، وبيان ما فعله من دور تحريضي ومساعٍ انقلابية.
بالمناسبة هل سألت الدولة وزير العمل إن كان شرح لمنظمة العمل الدولية وبـ “التفصيل الملل” وعبر “الدلائل الموثقة” الدور الذي لعبه “اتحاد العمال” في مؤامرة قلب نظام الحكم؟! إن كان عرض صوراً للتحريض والممارسات على الأرض، وإن كان عرض بيانات التحريض وفيديوهات رئيس الاتحاد التي تدعو للانقلاب على الدولة؟!
أخيراً، ومع احترامنا الشديد لشخص الوزير وتقديرنا لتواصله الاجتماعي وأخلاقه الراقية مع الجميع، إلا أننا هنا نناقش عملاً ومواقف وأداء نابعاً من مسؤولية وأمانة تجاه المنصب، وعليه فإنني شخصياً أستصعب “تصديق” أي تبرير جديد يساق من قبله بشأن وضع اتحاد العمال وبشأن “سلامة” الحركة النقابية في البحرين قبل أن نراه يطبق القانون على هذا الاتحاد الذي تحول لجمعية سياسية، وحرض وسعى لشل البلد ومازال يمارس نفس الدور. بالمنطق، لماذا نصدق شخصاً لا يمكنه محاسبة متجاوزين للقانون بل يبرر لهم ويساعدهم بحسبما نرى ونسمع؟!
إن كان الوزير عاجزاً عن القيام بذلك بحجة القوانين، فعليه التصريح بذلك مطالباً، أكرر مطالباً “وليس مناشداً” الدولة أن تصحح الوضع بسرعة، ومطالباً السلطة التشريعية أن تعدل القوانين بشكل عاجل إن احتاج الوضع، لأن ترك المسألة على ماهي عليه ليست سوى منح الاتحاد المسيس مزيداً من الحرية لتشويه صورة البحرين بحجة أنه يمثل كل عمال البحرين. يا وزير خذ موقفاً إن لم تمنحك الدولة وقوانينها صلاحية المساءلة والرقابة كما تقول، هذا إن كنت ترى الوضع خاطئاً بالفعل.
«ودي” أصدقك يا وزير، لكن المشكلة واقع الأفعال يناقض الأقوال.