من المقرر أن يكون “ملف حقوق الإنسان في البحرين” على طاولة المناقشات التي ستجرى في الجلسة التي خصصها مجلس حقوق الإنسان التابع لمكتب الأمم المتحدة في جنيف في دورته الحادية والعشرين والتي من المزمع إجراؤها في التاسع عشر من الشهر الجاري. وتأتي هذه الجلسة في إطار بدء فعاليات الدورة الحادية والعشرين للمجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وذلك بمقره بجنيف. اللافت للنظر هذه المرة أن البحرين ستشارك بوفد رسمي رفيع المستوى يترأسه وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة ويضم في عضويته وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان، وعدد من كبار المسؤولين في هاتين الوزارتين وأعضاء من السلطة التشريعية. وهذا يعطى دلالة كبيرة على أن مشاركة البحرين بهذا المستوى الرفيع بأن الموضوع ذو أهمية كبيرة ويحتاج منها تقديم كل ما يثبت بأن البحرين قد قطعت شوطاً بعيداً على طريق حقوق الإنسان، وأنها تعمل باستمرار في تكريس هذه الحقوق وعلى جميع المستويات وأنها أنجزت الكثير وهي سائرة على هذا الدرب لأنها اختارت أن تكون دولة قانون ومؤسسات. السؤال المهم والحيوي الذي يطرح في هذا السياق هو: هل استعدادات البحرين لمناقشة هذا الملف على درجة كبيرة من الكفاية تتناغم مع جسامة الحدث، وترقى إلى مستوى المتربصين بها في هذا المجال؟ في الواقع، أن هذا الموضوع كان حديث الصحافة المحلية والأوساط الحقوقية والنيابية في الأيام القليلة الماضية، فمن جانبها انتقدت صحيفة “الوطن” غياب وزير الدولة لحقوق الإنسان عن البلاد، وأشارت إلى أن وجوده في الولايات المتحدة في هذا الوقت يُعد خطأ إذ كان يجب عليه أن يكون متواجداً في البحرين لمتابعة استعدادات وزارته لجلسة جنيف. وفي هذا الإطار أيضاً انتقدت بعض الأوساط الحقوقية قبل فترة استعدادات الجهات الرسمية لمواجهة الاتهامات الموجهة للبحرين بشأن ملف حقوق الإنسان في البحرين، وجاء ذلك على لسان الأمين العام لجمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان فيصل فولاذ والذي أشار إلى أن الاستعدادات الرسمية للاتهامات الموجهة للبحرين في جلسة جنيف تدعو للقلق والحيرة والتساؤل. كما دخلت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والأمن والدفاع بمجلس النواب سوسن تقوي على الخط في توجيه اللوم للوزير وغيابه في إجازة خاصة.في ضوء هذه المعطيات، كان من الطبيعي جداً أن تصدر ردود فعل يشوبها بعض الخوف والقلق الذي بدأ يساور العديد من المتابعين والمراقبين في الشارع البحريني بشأن هذا الملف خصوصاً في ظل التصريحات التي أدلى بها المندوب الدائم لمملكة البحرين لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف السفير يوسف عبدالكريم بوجيري والتي كشف فيها عن مواقف بعض منظمات حقوق الإنسان السلبية تجاه البحرين، وكيف أنها تعتمد نظرة أحادية بالنسبة إلى المعلومات التي تردها، حيث تتبنى فقط ما تسمعه من طرف واحد، وتصم الآذان عن الردود الرسمية بهذا الشأن مما يعني انحيازاً مسبقاً من قبلها.في رأيي أن هذا الإحساس بالخوف والشعور بالقلق كان يمكن أن يزول لو أن الجهات المعنية بهذا الملف أخذت تستعد له منذ وقت مبكر، من خلال التعاون مع المنظمات الحقوقية البحرينية التي أخذت على عاتقها الدفاع عن البحرين، وتمتلك من الخبرة القانونية في مجال حقوق الإنسان، والتي تسعفها كثيراً في مواجهة بعض الأصوات النشاز التي تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان في البحرين، وتعمل منذ فترة ليست بالقصيرة في تحشيد الدول والمنظمات غير الحكومية ضد بلادها، من أمثال مركز القاهرة لحقوق الإنسان الذي لم يخفِ انحيازه الكامل لها، وكشف عن استعداداته وتحضيراته لمداخلاته للجلسة التي ستخصص لمناقشة الملف الحقوقي عن البحرين. ولما كان نظام مجلس حقوق الإنسان قد أعطى المنظمات غير الحكومية دوراً مهماً في تسليط الضوء على أوضاع حقوق الإنسان في الدول المختلفة كتابياً وشفهياً في مداولات جلسات مجلس حقوق الإنسان، فإن الواجب يحتم على الجهات الرسمية المسؤولة عن حقوق الإنسان أن تولي هذه المنظمات اهتمامها، وأن يكون تحركها في مقاربة ملف حقوق الإنسان في البحرين، من خلال التواصل معها مباشرة أو عن طريق دعم المنظمات ذات التوجهات الوطنية المناظرة لها في البحرين. نقول ذلك، لأن الأحداث قد أثبتت لنا أن هذه المنظمات أصبح لها دور كبير وأخذت تمارس ضغوطاً في الوقت الراهن على توجيه قرارات مجلس حقوق الإنسان. وهذا يعني أن لا يقتصر عملها على الاتصال بالجهات الرسمية لأن هذا الطريق لوحده لم يعد مجدياً.من ناحية ثانية، نقول إن التحرك ينبغي أن يكون مبكراً، وليس في الوقت الذي تنطلق فيه فعاليات جلسات المجلس الدولي لحقوق الإنسان، لأن مثل هذه الاجتماعات التي تجرى على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان لن تؤتي بثمارها في خلق تيار مؤيد ومناصر لملف حقوق الإنسان في البحرين، خصوصاً أن هذه المنظمات تتلقى معلومات عن البحرين من خلال علاقاتها الخاصة مع أولئك الذين تسميهم المدافعين والنشطاء عن حقوق الإنسان. وتتغافل الإنجازات التي حققتها البحرين منذ انطلاق المشروع الإصلاحي الذي أصبح فيه محور حقوق الإنسان عنواناً بارزاً وبذلك أصبحت حقوق الإنسان حاضرة بقوة في النهج الحكومي. في الختام، نقول إن ملف حقوق الإنسان في البحرين الآن على طاولة المناقشة في جنيف، وإن كل ما نتمناه هو التوفيق والنجاح والسداد لوفدنا في جنيف، وأن يرجع سالماً غانماً وقد برأ ساحة البحرين من كل المغالطات التي توجه لها في ملف حقوق الإنسان.