كلنا يعلم اليوم علم اليقين مستوى ارتفاع الأسعار في البحرين، فلم يبق أي شيء إلا أصبح سعره أضعافا مضاعفة عمَّا كان عليه قبل أعوام قليلة مضت، بدءاً من العقار ومرورا بالسيارات وانتهاء بالنفيش.
ما يساعد على استمرارية الغلاء في البحرين هو غياب الرقابة الحقيقية على الأسعار من قبل الجهات الرسمية المختصة، مما جعل كثيراً من التجار يرفعون الأسعار بطريقة فيها كثير من المغالاة، وبمناسبة ودون مناسبة!.
ربما تشتري سلعة غذائية من هايبر ماركت بسعر طبيعي جداً، لكن حين تضطر لشراء ذات السلعة من بقالة الهندي بـ«الفريج” ترى سعرها مرتفعاً جداً. في إحدى المرات قلت للهندي صاحب بقالة الحي: (رفيق.. سعر بضاعتك أكثر من سعر الهايبر ماركت بوايد)، فرد بكل جرأة وبما معناه “هذا الموجود رفيق، يعجبك اشتر، ما يعجبك إقضب الباب”، فقضبت الباب غاضباً وقلت في نفسي كالعادة.. أين حماية المستهلك؟!!.
من الذي شجع الرفيق وغيره من أصغر تاجر لأكبرهم على زيادة الأسعار بصورة شهرية وأحياناً أسبوعية؟ لماذا ارتفعت الأسعار بهذه الصورة البشعة دون أن يكون هنالك ربط بين السعر والظروف المحيطة به؟.
سأعطيكم هنا مثالاً على ذلك؛ كلنا يعلم أن اللحم والدجاج والطحين من السلع المدعومة حكومياً في البحرين قبل أن نُخلق، فكيف يرتفع سعر سندويش الهمبرجر المكونة من اللحم المدعوم والطحين (الرول والسليس) المدعوم؟ كيف لها بعد أن كان سعرها مائة فلس أن تتحول إلى أربعمائة فلس؟. طبعاً هذا الذي نسميه هنا ارتفاع الأسعار (دون مناسبة)!!
أصبح سعر البضاعة اليوم في يد التاجر وليس في يد الدولة، فهو الذي يتحكم في الأسعار والعرض والطلب وفق مزاجه ومصلحته الشخصية، إذ لا قانون ينظم عملية تحديد مستويات الأسعار على أرض الواقع، لهذا فإن التاجر سيظل يتحكم في السوق وفي رواتبنا وفي جيوبنا، وربما حتى في كرامتنا، ممكن أن يحدث ذلك وأكثر إذا تغافلت الجهات المسؤولة عن جشع كثير من التجار، حين لا تأخذ بيدهم نحو السلوكيات التجارية والإنسانية والوطنية المعتدلة، والتي تراعي حاجات المواطنين والمقيمين وظروفهم المعيشية القاسية، أو حين تغض الطرف عن مداخيلهم الخرافية التي يتكسب من ورائها بعض التجار الجشعين عبر الركوب على ظهورنا المحدودبة.
يجب أن ترفض الدولة هذا النمط في التعامل مع المواطنين من قبل بعض التجار الذين لا همَّ لهم سوى ترتيب مصالحهم وتقديمها على مصالح الناس، لأن الدولة ستظل في النهاية هي الحامي لكل المواطنين من كل اعتداء أو تطاول على لقمة عيشهم ومصالحهم.
الغلاء أينما وُجِدَ وأينما حلَّ يحطُّ من كرامة الفرد ومن ثم من كرامة المجتمع، كما يذهب إلى ذلك الفيلسوف والشاعر الروائي الفرنسي الشهير فيكتور هيغو في خالدته (البؤساء)، كما إنه يعتبر سلوكاً منافياً للقيم الإنسانية والإسلامية، والتي يجب أن ينطلق من خلالها التاجر نحو تلك المثل العليا وتحقيق العدالة والرفاهية للمجتمع، لا أن يكون وسيلة ضغط على راحة الناس أو العبث بقوتهم وقوت عيالهم.
لو سلمنا جدلاً بصحة وسلامة ارتفاع الأسعار عبر تقديم الدليل المقنع لذلك، أو أنها ارتفعت دون حاجة لتقديم دليل، فكانت واقعاً حياً كما هو حاصل اليوم، فإنه يجب على الدولة محاصرة الغلاء بكل السبل الممكنة، حتى لا تنقلب أسعار المنامة إلى حيث أسعار باريس.
.. وللحديث صلة