ـ في البدء يجب أن نوضح لأمريكا أن شعب البحرين على درجة كبيرة من الوعي السياسي، ويعلم تمام العلم أن ما حدث في البحرين ليس أزمة سياسية ولا مطالبة بالديمقراطية، إنما مؤامرة انقلابية قام بها أتباع الولي الفقيه مدعومة من إيران وأمريكا، وهذا ما أكده المؤتمر الصحافي لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية مايكل بوزنر، والذي بدا واضحاً أن الحوار الذي تسعى إليه أمريكا بين الدولة والجمعيات السياسية التي قادت هذا الانقلاب سوف يصب نتائجه لصالح هذه الجمعيات التي تريد أمريكا أن تضمن لها صفقة تؤهلها لتتمكن من قيادة الانقلاب القادم بنجاح، وذلك قبل إعلان الاتحاد الخليجي الذي تيقنت أمريكا أنه سيعلن لا محالة، ومضمون هذه الصفقة هو ما جاء في جواب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية مايكل بوزنر حين قال “إن هناك عدداً من المجالات التي يجب أن تسير على مسار مواز، وهي تتعلق بخطوات لبناء الثقة وزيادة الثقة، وهناك قضايا ترتبط بتكوين الشرطة”، وهي المسألة الأخطر والأهم، حيث حاولت الوفاق سابقاً اختراق المؤسسة الأمنية والعسكرية، مما يعني اليوم أن أمريكا تؤكد هذا المسار، حين يقول مايكل بوزنر “فإن ذلك يساعد على خلق بيئة مناسبة لإنجاح الحوار السياسي”، أي عندما يخترق جهاز الأمن الداخلي سوف يسهل على الجمعيات السياسية مهمتها، حين اتضح بالنسبة لأمريكا أن سبب فشل الانقلاب هو قوة الجهاز الأمن الداخلي التي أساسها كفاءة تكوينه من مواطنين ليست لهم ولاءات خارجية أو انتماءات سياسية أو عقدية، إذ أنه من المعروف سياسياً أن أهم أسباب نجاح أي مؤامرة انقلاب هو الانشقاق في صفوف الأجهزة الأمنية والعسكرية وانخراطها في المؤامرات الانقلابية. إن أمريكا اليوم قد بدلت نهج سياستها الخارجية بعد الخسائر التي منيت بها في أفغانستان والعراق، التي كانت تستخدم قوتها العسكرية لإحداث أي تغيير في الأنظمة الحاكمة في الدول، وارتأت أن أفضل وسيلة هي أن توكل عنها أحزاب سياسية داخل هذه الدول تطمع في الوصول إلى السلطة، وهي نفس الطريقة التي تعتمدها، إيران وهو الاتفاق التي تمخض عنه مفاوضات الشرق الأوسط الجديد، حيث كانت الركيزة لهذا الاتفاق هي الخلايا الإيرانية النائمة في دول الخليج، والتي كانت شريكاً أساسياً في هذه المفاوضات، وما تنقلات أعضاء هذه الجمعيات بين إيران والعراق وبعض دول الخليج واجتماعاتهم مع الحكومة العراقية والإيرانية والسفارات الأمريكية والغربية في الخارج، واستمرار هذه اللقاءات بعد عودتهم إلى البحرين مع هذه السفارات إلا دليلاً أكيداً على أن أعضاء الجمعيات السياسية شركاء أساسيون في هذه المفاوضات التي أوكلت لهم المهمة الصعبة وهي تسهيل الاحتلال عن طريق قيادة الانقلابات في الدول الخليجية الذي بدء في البحرين، والذي كان صلابة المؤسسة الأمنية والعسكرية السبب الرئيسي في إفشال هذا الانقلاب، من ذلك نرى أن تطرق مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية مايكل بوزنر إلى “تكوين الشرطة” لم يأت عبثاً، وإنما جعله عاملاً رئيساً في إنجاح الحوار. إن الموافقة على إعادة النظر في “تكوين الشرطة”، تعني انتقال الأمن الداخلي للدولة والذي يشمل الموانىء والمطارات والمؤسسات الحكومية والمنشآت الحيوية وأمن المناطق إلى أشخاص مرجعيتهم ليس الوطن، إنما الولي الفقيه وممثله في البحرين “عيسى قاسم” الذي أفتى لهوءلاء الأشخاص بسحق رجال الأمن، وهم من تسعى أمريكا والجمعيات السياسية اليوم لانخراطهم في المؤسسة الأمنية وغداً المؤسسة العسكرية، وبالتأكيد هذه العقليات لا يمكن أن يطرأ عليها أي تغيير حتى لو أتيحت لها شرف الخدمة في الأجهزة الأمنية والعسكرية. وهاهي المؤامرة الانقلابية قد كشفت عن مسؤولين كبار في الدولة، منهم الوزير وعضو مجلس الشورى والبرلمان وأطباء ومهندسين ومعلمين وتجار وطلبة مبتعثين على نفقة الدولة، شاركوا بكل قوة في هذه المؤامرة، أي أن هذه المناصب وما حظوا به من مكان رفيع في الدولة وتقريب القيادة لهم وكرمها من عطايا وهبات وأفضلية في جميع الخدمات، لم يكن لها حسبان حين أفتى الولي الفقيه في إيران باحتلال البحرين، أي أن العملية ليس سببها تهميشاً أو مظلومية أو مطالبة بديمقراطية، أو كما ذكر مساعد وزير الخارجية مايكل بوزنر “هناك قضايا ترتبط بتكوين الشرطة وما يتعلق بقطاعات الصحة أو الإسكان”، إنما هو تمويه فيه خلط المسعى الأساسي “تكوين الشرطة”، وأضيف له قطاع الصحة والإسكان لإلباسه كعامل من عوامل أسباب الأزمة السياسية المزعومة والتي هي في الأصل مؤامرة انقلابية صريحة شاركت فيها الجمعيات السياسية والأشخاص الذين تسعى أمريكا بانخراطهم في الأجهزة الأمنية وجميع المسؤولين الذين ذكرناهم ، جميعهم شاركوا في هذه المؤامرة سواء كانت بعبارة صريحة أو بمشاركة في مسيرات أو استقالات. لكن لا بد اليوم أن يصل إلى مسمع مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية مايكل بوزنر أن شعب البحرين لا يعيش مأساة كما يعيشها اليوم الشعب العراقي الذي حرقتم أرضه ثم سلمتموها إلى الولي الفقيه الإيراني، ولا يعيش مأساة كمأساة الشعب السوري الذي اكتفى وزير الدفاع الأمريكي باختصار ما يحدث من ذبح الأطفال نحراً وقصف المنازل بالقذائف والصواريخ والأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري بقوله “إنه لا يوجد علاج معجزة لحل الوضع المأسوي والمعقد في سوريا، وإن السلطات السورية تقوم بأعمال عنف مشينة”، لكن في البحرين يصف الحل مساعد وكيل وزيرة الخارجية الأمريكية “أن الحل هو حوار يتعلق بخطوات لبناء الثقة وزيادة الثقة وهناك قضية ترتبط بتكوين الشرطة”. إن تجرية المؤامرة الانقلابية المرة التي عاشها شعب البحرين لم يعشها مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ولم يعشها الشعب الأمريكي الذي تدافع حكومته عن أمنه وسلامته بشن حروب على دول تبعد عنه محيطات وقارات، وتجيز لنفسها قتل ملايين من البشر الآمنة في أوطانها، وذلك كرامة لمكانتها وحفظاً لهيبتها وخوفاً على أمنها. لذا على دولة البحرين أن تقوم بما تقوم به أمريكا وهو حماية شعب البحرين وهيبة البحرين بأن تقف في وجه التدخل الأمريكي السافر، حيث نرى أن البحرين أصبحت عراقاً آخر عندما تتحكم السفارة الأمريكية في الشأن السياسي والاجتماعي والأمني، وعلى وزارة الخارجية البحرينية أن تفسر لنا كيف تسمح للسفارة الأمريكية بإقامة مؤتمرات تمس باستقلال سيادة البحرين، كما نسأل وزارة الخارجية هل تستطيع أن تقوم بهذا الدور في العراق وأفغانستان أو أمريكا نفسها، كي تسمح بعدها لأمريكا بممارسة هذا الدور الذي ليس له قراءة إلا بداية استعمار أمريكي على غرار ما حدث في العراق عندما دخلت أمريكا العراق ثم سلمتها للولي الفقيه الإيراني، وها هي تسعى إلى نفس السياسة في البحرين وإن اختلفت الطريقة إلا أن مسارها واحد، بعد حين تتمكن الخلايا الإيرانية أولاً من وزارة الداخلية ثم بعدها وزارة الدفاع والذي يضمن لأمريكا نجاح مشروع الأوسط الجديد الذي تبدأ خريطته من الاستيلاء على البحرين.