العام الماضي، تعرضت مملكة البحرين العزيزة على قلوب أهل الخليج جميعاً لما يمكن أن يوصف بجرح نازف بساقها وبكسر في عظمة الساق الأخرى. سارعت قيادة البحرين والمخلصون من أبناء شعبها إلى وقف النزيف من الجرح، فعلاج الجرح أولى توقيتاً من علاج الكسر، ولقد توقف النزيف، وإن بقي الجرح ينزُ دماً بين فترة وأخرى. أثناء وصولي البحرين، كانت المملكة تودع أحمد الظفيري؛ شاب نزل من السيارة مع أصدقائه لإزالة إطار سيارة في وسط الطريق، فانفجر الإطار بوجهه بقنبلة فجرت عن بعد فقتلته على الفور. جاءت جريمة مقتل هذا الشاب لتذكر بأن الجرح لايزال ملتهباً، وإن توقف النزيف. «السُّنة لن يلقوا بالشيعة في البحر، والشيعة لن يلقوا بالسنة في البحر، هذه هي الحقيقة التي يدركها البحرينيون، ولا طريق أمامنا بالبحرين سوى التعايش”، هكذا اختزل ولي عهد البحرين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الطريق لعلاج الجرح وجبر الكسر. تحدث الرجل أثناء لقاء معه بإخلاص عن المستقبل، يفكر بالمستقبل وما ستكون عليه البحرين وطبيعة التعايش بين طائفتيها بعد عشر سنوات من الآن. “مشكلتنا بالبحرين ليست محلية وحسب”، وأضاف سمو الأمير سلمان بإصرار وإيمان “المشكلة لها أبعاد إقليمية وعوامل متى ما زالت فإن ذلك سيساعدنا على إزالة آثار الأزمة”. التجول في شوارع المملكة، لم تكن مثلما كانت حين زرتها العام الماضي، الهدوء يملأ المكان، تتعمد أن تذهب لأكثر من منطقة، المظاهر المسلحة والإطارات المحترقة والصدامات المحزنة تلاشت على الأرض، أقول تلاشت ولم تختفِ المظاهر المسلحة وبعض المظاهرات. ثمة سحابة من الترقب لاتزال تخيم على سمائها، تشعر بألم الكسر، وترى للجرح ندبات تتشافى بصعوبة. تنظر إلى السماء، وتتذكر: “ما بالبحرين من كآبة وسحابة تغطي أديم سمائها”. على العشاء بدعوة كريمة من وزير التربية والتعليم الدكتور ماجد النعيمي يدور هم الأساتذة والتربويين حول دور التعليم في تعزيز ثقافة التسامح والتعايش والوحدة الوطنية. أقرأ في كتيبات وزعت على المدارس تحث على التسامح، وأخرى حول ما تعرضت له مؤسسات التعليم من تخريب، وما تعرض له الأطفال بالبحرين -كل الأطفال- من صدمات نفسية وآثار سلبية على أدائهم التعليمي وتحصيلهم العلمي. لا تجد كلمة “شيعة” أو “سُنة” في أي من هذه الكتيبات. كتبت بطريقة تربوية بحتة، لم يكن من المنطقي لها أن تكتب بنفَس طائفي، فالطائفية هي الكسر الذي تعاني منه البحرين، وجبر الكسر أطول من شفاء الجرح، ومداراة الكسر أثناء الحركة مهمة كي لا ينزلق العظم ويجبر بطريقة مشوهة لا تعيد الساق المكسورة إلى سابق قوة عظمها، ويؤدي إلى عرجة تعيق الحركة. أصدقاء بحرينيون عرفتهم منذ سنين دون أن أعرف مذهبهم! عرفت مذهبهم الديني بطريقة أو بأخرى منذ العام الماضي. أصبح المذهب يفرض نفسه بالحوارات وقد يبتدئ به المتحدث: “أنا شيعي بس أنا ما أتفق مع الوفاق”. “أنا سُني بس ما أتفق مع الإجراءات الحكومية”. تقرأ مقالات بالصحافة المحلية. في ثنايا الأسطر ينزُ الجرح صديداً، وفي مقال آخر ينفث رائحة نتنة، هناك من لا يريد لهذا الجرح أن يلتئم ويشفى تماماً، وثمة من يريد إعادة كسر الساق التي بدأت تلتئم وتبني الكلس حول الكسر. فلئن كان فتح الجرح أخطر من الجرح أول مرة، فإن ما هو أسوأ من الكسر إعادة نفس الكسر في نفس المكان. تقلع الطائرة. ينتابني إيمان بأن الجرح سيشفى، والكسر سيجبر، وستبقى البحرين دانة للخليج. أنظر عبر نافذة الطائرة، أقول لنفسي: سأعود قريباً. ? عن موقع «الآن» الكويتي