الصحافة ليست مجرد كتابات وأوراق بل هي رسالة نبيلة تؤدي دوراً مهماً في خدمة الإنسان والوطن، والإنسان الكاتب في الصحافة يشعر بالفخر حينما ينتمي إلى مثل هذه الصحافة التي تخدم المجتمع، والكتابة هي جزء لا يتجزأ من حرية الرأي والتعبير التي تؤكد عليها مُجمل القوانين والمواثيق والحقوق الدولية الإنسانية ودستور مملكة البحرين، والعاشق للكلمة الحقة هو متعبد لها، يكون متواصلاً معها ليلاً نهاراً، يقرأ حيناً وحيناً يكتب، ومتعة الكتابة تكون عندما يختار الكاتب الكلمة الصادقة، ويتحمل مسؤولية ما يتم نشره، وراحته أن تكون الكلمة لسان حال ما يشعر به المجتمع. ويأتي الالتزام بمبدأ حرية التعبير في الكتابة الصحافية لكون الصحافة هي الأرض التي تجمع الناس لا تشتتهم، أرضاً صالحة للغرس لا للقلع، تجمع بين طيات أوراقها قضايا الناس وهمومهم وتبشر بأحلامهم، تبحر في أفكار الناس وطموحاتهم المشتركة، تبني مجتمعاً متحاباً متحداً لهم ولمستقبل أنجالهم. للصحافة والكتابة الكثير من الجوائز، وأفضل جائزة يتقلدها الكاتب صدق ما يكتبه وقناعة ما ينشره، وتتسم هذه بالعلاقة الضميرية بين القلم والإنسان، بين الصحافة والقارئ، فعلاقة القلم بالإنسان مع القارئ تحقق في النهاية علاقة صحيحة بين مهنة الصحافة والمجتمع لكونها لغة من لغات التخاطب اليومية بين الشعوب، حيث إن الحقيقة والكلمة الصادقة هي تلك التي تسكن في وجدان الإنسان. والوطن هو من أجمل ما يكتب عنه الصحافي ـ الكاتب، فهو العزيز على قلبه والأقربُ إلى فؤاده، قد يكون وطنه صغيراً ومتخلفاً سياسياً وضعيفاً اقتصادياً ومتمرداً على الديمقراطية، لكنه هو هذا وطنه وترابه هو جنته حتى النهاية، يحلم ويطمح في تحقيق الكثير له لأن هذا هو وطنه، وهنا يأتي دور الكاتب الصحافي.
لقد تطورت الصحافة وانتقلت إلى الصحافة الإلكترونية عبر الشبكات الدولية للإنترنت، ويستطيع القارئ اليوم بهذه الوسائل التقنية المتقدمة بلمسة أصابعه أن يعبر الحدود ويتصفح ما يشاء ويرغب من الجرائد والمجلات. ولكن هل كل هذه الجرائد والمجلات تلتزم بمبادئ الصحافة من (صدق، نزاهة، إيمان، موضوعية، استقلالية)؟ وكيف يتعرف القارئ على حقيقة ما يتم كتابته؟ وهل يجب أن تكون الصحافة محايدة ومراقبة ومستقلة وبعيدة عن سُلطة الحُكم؟ أم أن الصحافة تكتفي بمراقبة الواقع والإخبار عنه وشرحه للجمهور؟ هل يجب أن تمارس الصحافة الوعظ والإرشاد والخطابة؟ أم أنها وسيلة إخبار ورواية عامة ومشتركة تخص الجميع وتتوجه إليه؟ أم أنها منبر خاص للصحافيين لتكون منبراً لمعتقدهم الشخصي؟
باختصار.. الصحافة هي صورة متكاملة للأحداث مفهومة المنطق صادقة القول نقية في التعبير. فالصحافة تختلط بين ثلاثة أدوار مجتمعة: الدور المهني (الوظيفي)، الدور الإعلامي، الدور السياسي.
يأتي هذا الحديث عن الصحافة أنها مسؤولية وطنية في ضوء اللقاء التاريخي الذي جمع بين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين مع مجلس إدارة جمعية الصحافيين البحرينية بقصر الصافرية، واللقاء الذي جمع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء بقصره في الرفاع مع مجلس إدارة جمعية الصحافيين البحرينيين.
في هذين اللقاءين المنفصلين والمتحدين في المعنى والهدف والتوجه تم التأكيد على رعاية القيادة السياسية للجسد الصحافي وللمهنة الصحافية في البحرين، وأن حرية التعبير مفتوحة ومكفولة لجميع أبناء البحرين بدون استثناء، وأن يتحلى الجميع بهدف الصحافة البحرينية التي يجب أن تجمع ولا تشتت، أن تبني ولا تهدم، أن تكون الكلمة الصحافية أداة رقي وحضارة لا سبيلاً للتخلف والتفرقة. كما أكد اللقاء أن مناخ الانفتاح وحرية الرأي والتعبير عن الرأي هو سلاح كل صحافي بحريني عليه أن يستخدمه من أجل خدمة المجتمع ولتعزيز روح الوحدة الوطنية بين الشعب البحريني الواحد. وأن مَن يتخلى عن ضميره المهني من الصحافيين فهم يخادعون أنفسهم قبل أن يُخادعوا الرأي العام أو ينالوا من وطنهم، وأن كل صوت حُر ونزيه وكل قلم دافع عن البحرين وانتصر للحق وتصدى لكل ما يُدبر ضد الوطن هو محل حُب وتقدير لدى قيادة البلاد.
إن للبحرين تاريخ صحافياً جليلاً، وهو حافل بالمنجزات والمكتسبات الوطنية، وإنها تمتلك من أدوات الحرية وقيم الوطنية والمسؤولية ما يجعلها قادرة على حماية المجتمع من كل ما يشق صفه وينعكس سلباً على لحمته ووحدته الوطنية. وحتى يكون الصحافي صحافياً ناجحاً عليه أولاً الإيمان برسالته وبرضاء ذاته في أدائها، وثانياً ـ أن يؤديها بصدقٍ وأمانة لكونه مؤتمناً على نقل الصورة الصحيحة (الحدث) وصادقة للناس من غير مغالاة أو كذب، وثالثاً ـ أن يكون دائب الملاحظة وعيناً تراقب كل حدث ومشهد، بعيداً عن الأنانية في ممارسة المهنة الصحافية واستغلالها لتحقيق أغراض ذاتية لا تخدم المقصد الأسمى لرسالة الصحافة رابعاً. فالصحافي المريض مهنياً والفاسد صحافياً يساوي مجتمعاً فاسداً