تحدثنا بالأمس عن عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في استكمال عقد مصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المنطقة، دون وجود رغبة صادقة وحقيقية عندها لتثبيت قواعد الديمقراطية عندنا، وما سوى ذلك يظل من أبشع أنواع الهراء.
وقلنا بالأمس إن الولايات المتحدة الأمريكية ترعى مصالحها ومصالح حلفائها إن اقتضت الضرورة ذلك، وفي الحدود التي تصب في مصالحها فقط، أما بقية الأشياء فليس لها وزن حين لا تتسق والمصالح الأمريكية.
من يعوِّل على الحل السياسي الأمريكي، سواء من الشعوب أو الأنظمة فهو واهم، لأن الأمريكان ليست لديهم سوى عين واحدة فقط، وهي العين التي ترعى مصالحها ومستقبلها.
اليوم؛ الخيار الوحيد للدول العربية في التخلص من دائها وطبائع استبدادها كما يذهب إلى ذلك عبدالرحمن الكواكبي، هو في استخلاص دروس النهضة والوحدة والبحث عن قيم المساواة والعدالة والفضيلة، وهذا لن يكون بفعل الاستعانة بالخارج أو الاستقواء بالقوى العظمى، بل يكون النهوض الحقيقي عبر مشاريع نهضوية وطنية خالصة، فالأوطان العربية هي أوطاننا، والإنسان الذي يعيش فيها هو أنا وأنت وكل شركائنا من العرب. أمريكا لا يعنيها هذا الكلام، ولا تهمها القيم وكل المبادئ، فالمصالح النفطية هي كل شيء عندها، ولو يجف نفطنا ستعاملنا واشنطن كما تعامل اليوم كل الدول الأفريقية الفقيرة، وستتبخر كل العلاقات والصداقات الحاضرة، فترحل حين ذاك للبحث عن أصدقاء وحلفاء يملكون الماء والكلأ والنار، من النفط والمال والثروات، أما نحن فإلى الجحيم.
هذه هي أمريكا؛ وهذا هو الوجه الحقيقي لها، فهي تلعب على مصالحها، وهذا من حقها، لكن من حقنا نحن أيضاً أن نفتش عن مصالحنا وعن استقرار دولنا ومنطقتنا، بل من الواجب علينا أن نضمن مستقبلنا ومستقبل كل الأجيال القادمة، وأن نضمن استقرارنا السياسي والاقتصادي، أمَّا أن نعلِّق طموحاتنا وآمالنا على الأمريكي فهذه مجازفة ما بعدها مجازفة إن لم يكن انتحاراً سياسياً صريحاً.
لدينا في الوطن العربي بعض المشاكل السياسية على مستوى الحكم أو حتى على مستوى الديمقراطية، لكن ما يعزز ترسيخ مفاهيم الحق والعدالة لدينا، هو أن نقوم نحن العرب بإصلاح حالنا ووضعنا ودولنا بمفردنا، دون الاتكال على الأجنبي النفعي أو الاعتماد على الأمريكي صاحب الوجهين.
إذا أراد العرب أن ترتفع رايتهم خفاقة في الخافقين فعليهم هذه المرة أن يعتمدوا على أنفسهم في تصحيح أوضاعهم ومعالجة قضاياهم، مما يعني أنهم اتخذوا القرار (الصَّح)، وبإذن الله سيكون هذا الأمر بداية التحرر من العبودية لواشنطن.
إنها فرصة للعرب أن ينفصلوا عن المصالح الغربية ليفتشوا عن مصالحهم ومصالح أوطانهم، فزمن التبعية يجب أن ينهار، كما آن الأوان أن يتحرر العرب من ربقة العبودية للمستعمر، وأن ننطلق تحت شعار، ليس هنالك أعز من الوطن، وليس هنالك أغلى من الإنسان.
لا يعني ما نعنيه هنا أن نقطع صِلاتنا بالولايات المتحدة الأمريكية، بل ستظل أمريكا صديقاً للكثير من الدول العربية، ومن ضمنها البحرين، لكن ما نتمناه اليوم أن نحدد نحن مفهوم الصداقة لا هُمْ، فهم حين حددوا معنى الصداقة خرجنا من المولد بلا حمص، فنريد أن نحدد ولو لمرة واحدة ما نريد، أليس باستطاعتنا ذلك؟.. نعم نستطيع ذلك وأكثر مادام النفط يجري تحت أرجلنا.