نقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي وصفته بـ “الكبير”، دون أن تكشف عن اسمه “أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعث برسالة إلى الرئيس المصري محمد مرسي، قبل أيام، أكد فيها رغبته في التعاون مع الحكومة المصرية الجديدة، كما أعرب عن أمله في أن تتم المحافظة على معاهدة السلام بين البلدين، لكونها مصلحة مشتركة لهما، (مضيفة) أن اتصالات ستجرى بين إسرائيل ومصر هذا الأسبوع، إما بصورة مباشرة، أو بوساطة أمريكية، في محاولة لتنسيق مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء والرئيس المصري الجديد”. جاء ذلك في أعقاب تصريحات نارية أطلقها الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، بشأن ضرورة تقيد مصر باتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية قال فيها، بنبرة تهديدية مبطنة “بيدهم القرار، فإن رفضوا التعامل معنا فعليهم دفع ثمن ذلك.. فعليهم أن يقرروا كيف ستقدم مصر الخبز لأبنائها”.
قبل الحديث عن مدلولات الرسالة، أو تسريب الأخبار بشأنها، ودون الحاجة للتوقف عند احتمالات ردود الفعل المصرية الرسمية بشأنها، لابد من التأكيد أن لجوء إسرائيل، منذ قيامها، إلى سياسة تهديد هجومية، كتلك التي تضمنتها بين ثناياها الرسالة، ضد الجبهة العربية، غالباً ما تكون مواكبة لواحدة من حالتين عربيتين، تبدوان متناقضتين، لكن كل منهم بشكل مختلف يخدم إقدام إسرائيل على أي عمل عسكري تكون قد خططت له بشكل مسبق، أو سياسة عدوانية تخدم استراتيجيتها التوسعية. الأولى عندما تلمس نهوضاً عربياً وصل إلى درجة يشكل تهديداً حقيقياً لأمنها، والثانية عندما يعاني الوضع العربي من حالة ترهل ملموس، يكون فرصة مناسبة لتشجيع إسرائيل أيضاً على مغامرة محسوبة العواقب. في كلتا الحالتين تحرص إسرائيل على خلق حقائق جديدة على أرض الصراع العربي الإسرائيلي، لصالح سياستها الاستعمارية، تجبر الطرف العربي، أو الطرف الفلسطيني بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، بموجبها، على التراجع جغرافياً، أو خفض سقف مطالبه المشروعة سياسياً، بما يتناسب وموازين القوى الجديدة.
يمكننا رصد هذا السلوك في الاستراتيجية الإسرائيلية مستعينين، لتبيان صحة ما قلناه عن الحالة الأولى، بحرب حزيران 1967، والتي شنتها إسرائيل، ليس كرد مباشر على إغلاق مضايق تيران، وسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء، كما ادعت حينها، وإن كان ذلك السببب الظاهري المباشر، وإنما جراء خوف إسرائيل من تنامي المد التحرري العربي المناهض لوجودها في تلك الفترة. ففي مطلع الستينان من القرن الماضي، كان سقوط نظام الإمامة في اليمن، وانتصار ثورة الجزائر، وجاء العام 1964 ليعلن ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، الذي تلاه انطلاق العمل الفدائي في العام 1965، وتنامي العمليات العسكرية عبر الحدود السورية، ومن خلال الجبهة الأردنية أيضاً. وتوج ذلك بقرار مؤتمر القمة العربية 1964 في القاهرة بتحويل مياه نهر الأردن في كل من سوريا ولبنان، رداً على سياسة إسرائيل في ضم الأراضي المجردة من السلاح في شمال فلسطين، وإقدامها بشكل استفزازي منفرد على تحويل مياه نهر الأردن، مما أدى إلى التهاب الجبهة السورية الإسرائيلية التي بلغت ذروتها في الاشتباك الجوي يوم السابع من أبريل 1967. المنطق ذاته ينطبق على عملية الليطاني التي شنتها على الجنوب في مارس 1978، والتي كانت رداً على تنامي العمليات الفدائية الفلسطينية بفضل نزوح ما يربو على 3000 مقاتل فلسطيني من الأردن إثر صدامات أيلول 1970 بين منظمة التحرير والقوات الأردنية.
أما حالة الضعف، فليس هناك من مثال على صحة مقولتها، أسطع من الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيو 1982، والذي بدأت أول معاركها في صبيحة السادس من يونيو 1982 عندما أعلنت الحكومة الإسرائلية “أنها قررت شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بعد محاولة اغتيال سفيرها في المملكة المتحدة، شلومو أرجوف على يد منظمة أبونضال”، كي تنتهي تلك المعارك، ببقاء العدو الإسرائيلي في لبنان حتى العام 2000، بعد أن نجحت تل أبيب في هدم البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وإرغام المنظمة، وعلى وجه الخصوص جناحها العسكري، على مغادرة الأراضي اللبنانية. استفادت إسرائيل حينها من التخلخل العربي الذي ولده توقيع مصر في زمن الرئيس الراحل أنور السادات على اتفاقيات السلام التي يطالب نتنياهو اليوم الرئيس المصري محمد مرسي بالتقيد بها. ودون الحاجة للدخول اليوم في تقويم تلك المعاهدة، فما يعنينا هنا، أنها أدت، بغض النظر عن نوايا ودوافع من أيدها من العرب أو وقف ضدها، إلى شق الصف العربي إلى فريقين، الأول أصبح يعرف بجبهة الرفض، والآخر أطلق عليه جبهة الاستسلام. لم يقتصر الشرخ العمودي في الجسم العربي على القوى الحاكمة، بل امتد كي يشمل القوى المعارضة أيضاً، دون أن نستثني من ذلك منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها، التي عانت، ربما، أسوأ مرحلة في تاريخها منذ تأسيسها في منتصف الستينات من القرن الماضي، بالإضافة إلى منظمات المجتمع العربي. أدى ذلك في محصلته النهائية إلى إضعاف الجسم العربي، مما شجع إسرائيل على أن تقدم في العام 1982 على غزو لبنان، فيما اعتبر على أنه أكبر مغامرة عسكرية غير مسبوقة في تاريخ تل أبيب العسكري، والتي لم تكن لتقدم عليها، لولا تقديراتها لمدى الوهن الذي كان يدب حينها في الجسد العربي، ليس على المستوى العسكري فحسب، وإنما أيضاً على الصعيد السياسي.
نصل بعد ذلك إلى القرن الواحد والعشرين، ونكتفي، قبل بدء مرحلة ما أصبح يعرف باسم “الربيع العربي” بالإشارة إلى العدوان الصهيوني على قطاع غزة، الذي أطلقت عليه تل أبيب اسم “الرصاص المصبوب”، وكانت طلائع عملياته في في 27 ديسمبر 2008، عندما استفادت إسرائيل من حالة الوهن العربي التي جسدها إنهاك العراق في معاركه الداخلية، ودخول السودان في مهالك حرب الجنوب واحتمالات انسلاخه من جسد الدولة الأم، وهو أمر كشفت الكثير من جوانبه وثائق ويكيليكس التي ألقت الضوء على خلفيات” انفصال الجنوب والعقوبات المفروضة على السودان منذ سنوات في مقابل دعم مالي وسياسي وعسكري تناله الحركة الشعبية في الجنوب من أطراف مختلفة خاصة بعد اتفاق نيفاشا سنة 2005”. ودخول الجزائر في الصدامات الداخلية المتشحة بلبوس دينية لكنها في جوهرها قائمة على صراعات إثنية تغذيها قوى خارجية، أوصلت المتأمل للمشهد الجزائري، كما يقول موقع “الجزائر تايمز” يدرك أن “إلى حالة من الشيخوخة الطبيعية وتعدد مراكز القوى ترافقها حالة من التعفن الداخلي وفقدان للرؤية السياسية والارتباك ساهم فيه تغييب الموت للكثير من أعمدة هذا النظام. ولم يكن الخليج بعيداً عن حالة الضعف هذه، التي عبر عنها تصاعد حدة الخلافات بين دول مجلس التعاون حول قضايا ذات علاقات بأوضاع إقليمية أكثر منها خليجية عربية محضة. شجع هذا الوضع العربي المتدهور العدو الصهيوني على تكرار هجماته على غزة التي لم يكن “الرصاص المصبوب” سوى الأكثر بروزاً فيها
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90