هدفهم “كرسي الحكم”، لا أقل ولا أكثر، ومن يصدق ما يقولونه اليوم من كلام عام فضفاض مازال يستغل حاجات الناس، فهو إما يخدع نفسه أو أنه لا يستوعب حتى لو ضرب في ظهره مرات ومرات.
ليست كذبة واحدة، بل حزمة من أكاذيب ساقوها وروجوا لها في كل مكان، هدفها تشويه صورة البحرين، ومنح أنفسهم المبررات للإنقلاب على الحكم، لا من أجل تغيير واقع معاش يدعون أنه سيئ، بل من أجل الاستيلاء على البلد.
إن كان من ينفي منهم هذا الهدف، ففي البحرين أناس واعية ليست ممن تقبل بأن تُستغفل بالكلام، أو تنخدع بتغيره.
من قال “باقون حتى يسقط النظام”، ورفع يده وشبكها مع بقية الواقفين على المنصة وتحت هذا الشعار، لا يصدقه إلا مغفل أو مجنون حينما يقول اليوم بأنه قال “الشعب يريد إصلاح النظام” حينها.
من ينسى التاريخ عليه أن يتذكر ما كانوا يقولونه في عاصمة الضباب أواخر الثمانينات ومنتصف التسعينات، من يقول اليوم “مضطرا” بأنه يريد حكومة منتخبة ولا يريد المساس برأس الحكم، هو الذي قال سابقا بأنه سيأتي اليوم الذي “سيحكم فيه البحرين”.
لا الهدف مصلحة الناس، ولا حل مشاكلهم ومؤرقاتهم، بل الهدف السلطة والاستحواذ على الكراسي ومسك الأمور من تلابيبها في البلد.
الحكومة المعينة التي ينتقصون منها ويستهدفونها هي التي أنجزت طوال عقود ماضية العديد من الأمور للناس، هي التي حققت تنمية بشرية وحضرية مميزة استجلبت إشادات دولية يصعب إنكارها، فهل العالم الغربي والمنظمات الدولية “غير المسيسة” و«غير ذات الأجندة” جهات “ساذجة” يمكن أن تخدع؟!
من يقول إن مطلبه “حكومة منتخبة”، هل بإمكانه تقديم ضمانة واحدة فقط معنية بتبعيته و«مخدوميته” للولي الفقيه؟! هل بإمكانه قبول “التعددية” التي هي أساس الدولة المدنية؟!
لا يمكنهم أبدا مخالفة وليهم الفقيه، يحركهم يمنة ويسرة. في حين قبول الرأي الآخر مسألة ليست في قاموسهم على الإطلاق، وإلا لماذا انسحبوا من حوار التوافق الوطني حينما سمعوا الرأي المخالف لهم؟! لم تخوينهم الناس الذين يقفون منهم موقف الضد، ولم قصر الوطنية عليهم بينما هم الموالون للخارج الضاربون في ظهر وطنهم كل يوم؟!
الدولة هي التي حققت إنجازات عديدة في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصاد وإعادة الحياة البرلمانية وفتح باب الحريات. لا نقول بأن هذا ينفي وجود أخطاء وسلبيات، لكن حتى هذه السلبيات قبلت الدولة بأن تضع لها جهات معنية بها لتراقب وتحاسب.
البحرين قد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تشكل جهة معنية بمراقبة أداء كافة القطاعات بهدف بيان أوجه الفساد المختلفة. وبرلماننا هو صاحب الحق المطلق في محاسبة أيا كان إلى درجة الوصول إلى عزله.
الدولة قبلت بذلك، وإن كانت من أمور لم تتحقق بشكل مؤثر في هذا الجانب فهي مسؤولة من جاؤوا لهذا البرلمان ومنهم من يقود التأزيم في البلد اليوم، هم الملامون على عدم تحقيق شيء سوى مصالحهم الشخصية. إن كنتم تريدون إصلاح الأمور العديدة كان بإمكانكم وبالإجماع من خلال البرلمان، لكنكم فشلتم لأن حراككم كان فئويا طائفيا ذا أجندة سياسية لا اجتماعية، لم يهمكم الناس، بل همكم المكسب السياسي، قبلتم بتقاعد نيابي على حساب تعديل أوضاع الناس.
اليوم حينما تتغير اللهجة ويتغير الحراك لا ينبغي أن نفرح أو نركض باتجاههم، فما ديدن المنافقين والكذابين إلا “التلون” و«عدم الثبات” على موقف.
الدولة تقف اليوم موقف قوة، رغم أن كثيرا من الأمور يأخذها الشارع عليها خاصة فيما يتعلق بصرامة المحاسبة على الأخطاء وتطبيق القانون، لكن مقابل هذا، هذه الفترة من ضبط النفس والهدوء أوصلت قادة التأزيم بالأخص من يمتلكون قضية خاصة لا عامة إلى طرق كل باب واستخدام كل أسلوب من أجل التحصل على “الفتات” من كعكة كانوا يريدون ابتلاعها بأكملها.
مرحلة اليأس تحتم اللجوء لخطابات التلون هذه، تفرض ممارسة الكذب المفضوح، تلزمهم تغيير الخطاب وتناقض الأقوال بشأن الشعارات التي رفعوها حينما “أخذتهم العزة بالإثم” واليوم حينما “تبخرت” أحلام اليقظة.
المجنون وحده من سيصدق الوفاق وكذبها وتلونها. بالأمس يمتدح نائب منهم تنظيم سباق الفوروملا واحد ويعتبره مكسب للاقتصاد الوطني، بعدما ساهمت جمعيته وأتباعها بتدمير الاقتصاد الوطني وشل البلد. فهل نصدق هذا التناقض؟!
وبالأمس أيضا يمتدحون سمو ولي العهد ويعتبرونه القائد العقلاني وضمانة الاستقرار والتفهم، متناسين بأنهم هم من مارسوا الإساءة البالغة بحقه، حينما رفضوا يده الممدودة للحوار في بادئ الأمر، وحينما لم يقدروا مواقفه الإنسانية من منطلق واجبه الاجتماعي الذي لم يتردد فيه. اليوم باتوا ينازعون المخلصين على حبهم وولائهم لسلمان بن حمد؟!
أنتم من حول الورود إلى سيوف، ومن حول الوطنية إلى طائفية مذهبية، ومن حول الديمقراطية إلى ولاية فقيه مطلقة، ومن شوه علم بلاده، وشوه سمعتها وانتقصتم من قيادة فعلت كل شيء لأجل لم شمل شعبها الذي عدتم لتفرقوه وتقسموه وتألبوا بين أطيافه.
كرسي الحكم هدفكم ولا شيء آخر، لا يهمكم الناس حتى لو احترقوا وماتوا، ألم تدفعوهم ليكتبوا على صدروهم “أنا الشهيد التالي” حتى تتاجروا بجثثهم ودمائهم؟!
والله كذبتم، ومغفل من يصدقكم.