«اكذب حتى يصبح الكذب كأنه حقيقة، اكذب حتى يصدقك الآخرون” (جوزيف غوبلز وزير إعلام هتلر )..
قبل عدة أشهر استمعت بالصدفة إلى معارض وهو يتحدث إلى إذاعة البي بي سي، ويعلن عبرها: “تجري حالياً عمليات اغتصاب جماعية في بعض المناطق في إطار الهجمة الأمنية على المعارضة”!! (انتهى التعليق الذي بالإمكان العودة إليه في أرشيف الإذاعة المذكورة)!!
لسنا في حاجة هنا إلى أي تعليق على هذا النوع من الكذب الممنهج والمقصود لمجرد هتك صورة السلطة على حساب الحقيقة وشرف الكلمة المسؤولة، وعلى حساب واقع الحال في مجتمع يعلي من شأن الشرف والأسرة، أكثر من إعلائه لأية قيم أخرى!! كما إن الذي يقدم على مثل هذا النوع من الكذب الأسود هو أول من يعلم أنه يكذب، لأن كل كلمة في هذا الزمان موثقة ويمكن استعادتها صوتاً وصورة في أي وقت ويمكن مقارنة الوقائع بالتصريح لإدراك مرارة الحقيقة. لقد تفوق الكاذب هنا على جوبلز (وزير الدعاية النازي) والذي يعتبر إحدى الأساطير في مجال الدعاية الكاذبة، من خلال شعاره الشهير: “اكذب حتى يصدقك الآخرون”!.
ولعل هذا التدني في الخطاب الإعلامي السياسي يعكس الأداء السياسي الكارثي لبعض المعارضين، بما يقودنا مجدداً إلى التذكير بطبيعة دور المعارضة، والذي ليس من بينه في جميع الأحوال الكذب الفاضح ولا الانحطاط في العمل السياسي والذي يفترض به أن يكون هادفاً للارتقاء بوعي الناس وبمستوى معاشهم)، فمعارضة لا تتحلى بالنزاهة الأخلاقية،لا يمكن أن تحمل مشروعاً لإعادة بناء المجتمع وإصلاح أحواله، من خلال نموذجها البديل، ولذلك لا يمكن أن تكون معارضة جادة أو حتى جديرة بالثقة.
إن أول شروط المعارضة “المحترمة” هو الصدقية والنزاهة وعدم الكذب على الناس أو خداعهم، وبقدر ما ترفض أن تكون كذلك، تكون من حيث المبدأ والممارسة رافضة لأي نوع من تزييف وعي الناس وتزييف الانتخابات للاستيلاء على المنظمات الأهلية (مثلاً)!! فإذا وجدنا معارضة تفتقر إلى جميع هذه القيم أو حتى بعضها، ومستعدة لممارسة التزييف والدجل العلني والفبركة الممنهجة، فمن حقنا أن نتساءل حول حقيقتها كقوة معارضة بديلة، ومدى جديتها فما بالك بمدى جدارتها بالاحترام والثقة، خصوصاً وأنها تقدم نفسها بوصفها معارضة ديمقراطية استمدت شرعية حضورها وتميزها من وضوح برامجها السياسية ومن اعتمادها منظومة قيم ديمقراطية تنشد العدالة والإنصاف والصدق في نضالها السياسي والإعلامي.
إن ما كشفته أيام الجمر والتجربة العملية الموثقة صوتاً وصورة أن بعض المعارضة تفتقر إلى النزاهة، بقدر ما تفتقد إلى الرشاد في الموقف والفعل الممارس على الأرض، وكان أسوأ ما في ذلك أمران:
الأول: هو الكذب والفبركة والاستعداد في هذا المجال بالذهاب بعيداً إلى الدرجة التي أشرنا إليها في مقدمة هذا المقال، وهي درجة متدنية جداً من الممارسة السياسية المقززة.
الثاني: المحاولات المكشوفة والمحمومة لدمج العنصر الخارجي على نحو غير مسبوق ليتحول إلى عنصر حسم للصراع الداخلي على السلطة، وأصبحت تلك المحاولة مثيرة للاستغراب والاستهجان لمفارقتها للثقافة السياسية الوطنية المعادية لأي نوع من التدخل الخارجي. والذي كان دائماً مستنكراً على نحو يجعل من ينادي به أو يبرره مخوناً من الجميع، بل إن رفض التدخل الخارجي كان رمز الوطنية الحقيقية في التاريخ الوطني الحديث والمعاصر..
الجديد اليوم أن بعض القوى المعارضة المستعجلة للوصول إلى السلطة بأي ثمن، ولا تمتلك مقومات تحقيق ذلك، ولأنها غير معنية بالمحافظة على استقلال البلاد واستقلال قرارها الوطني، بل وتبدو في عجلة من أمرها، فإنها لا ترى مانعاً من استدعاء العامل الخارجي على نحو فج ومكشوف مثلما رأينا في صرخات الاستنجاد المزيفة، وفي الحملات الإعلامية المفبركة (ومنها أكاذيب الاغتصاب الجماعي التي أشرنا إليها) وفي الجولات المكوكية على الدول والعواصم الخارجية، في حين أن الحل موجود في الداخل، بل وثمة من يحاول تبرير الحاجة إلى العامل الخارجي على أنه دور أساسي، بحيث تسهم المساندة من الدول الديمقراطية “الإمبريالية الصديقة” في نشر الديمقراطية وترسيخ احترام حقوق الإنسان..!!!
لقد بدأت الأقنعة تتساقط -وهذا أمر جيّد- وهو ما يتطلب من كلّ حرّ أن يكون حذراً فطناً بوجه هذا الوباء الذي يحاول البعض نشره.. المعادلة أصبحت واضحة تماماً: معارضة تقودها الذاتية لقادتها الأزليين فشلت في إقناع الجميع بوجهة نظرها، فالتجأت إلى فرقة قتالية من “الطائفيين” محاولة بذلك تحقيق جماهيرية خاصة بها، وبالتالي الضغط على السلطة وتشويه صورتها في الداخل والخارج، والظروف السياسية الحالية فسحت المجال لنشر الطائفية المقيتة وتعزيز مواقعها، بل وحتى الاستفادة من نموذج غوبلز الهتلري..
.. وللحديث صلة