من يتابع السوسة (فضائية العالم الإيرانية) وهي تبث التقارير والأخبار عما يحدث في سوريا يتأكد له إن إيران لا يهمها أين يكون الحق ومن هو المظلوم ولا يعنيها أبداً الأعداد التي تسقط من السوريين يومياً، فما يهمها هو مصلحتها التي هي اليوم مع نظام بشار الأسد. يتبين ذلك من طريقة صياغة الأخبار وطريقة قراءتها، فعندما يقرأ مذيعو هذه القناة خبراً عن تمكن النظام السوري من قتل بعض عناصر الجيش الحر أو السوريين الذين هم ضد النظام يحسسون المتلقي أن عليه أن يحمد الله لسقوط هذا العدد من القتلى بغض النظر عن كونهم سوريين، فطالما أن الذين سقطوا هم ضد النظام السوري فهذا يعني أنهم ضد النظام الإيراني وبالتالي فإن ذبحهم حلال و«إسلامي”!
ليس هذا مجرد ادعاء ولكنه حقيقة يمكن لأي فرد التأكد منها من خلال متابعة نشرة أخبار واحدة فقط تبثها تلك السوسة التي يتلذذ مذيعوها بنطقهم لكلمة (قتل) طالما أن الضحايا هنا من الفريق المضاد للنظام. أما المبالغات في تصوير تقدم قوات الأسد في ساحات المعارك وسيطرتهم على الأوضاع فحدث ولا حرج، ما يشعر به المتلقي أن الحَكَم سيصفر بعد دقائق معلناً عن فوز جيش النظام على الجيش الحر بالضربة القاضية.
اللافت أيضاً في السوسة الإيرانية أنها تردد كل ما يردده نظام الأسد من ادعاءات ملخصها أن النظام اضطر إلى محاربة مجموعة من الشبيحة والبلطجية المدفوعين من الخارج والذين يتسلمون أموالاً مقابل قيامهم بزعزعة الأمن وأنه قادر على دحرهم في أيام معدودات. ولافت كذلك الاستفادة من تلك الادعاءات وترديدها في فتح باب للهجوم على السعودية وقطر المتهمتين بزعزعة الأمن في سوريا لمصلحة إسرائيل!
غريب أمر هذه السوسة التي تقف ضد السوريين الذين طفح بهم الكيل وذاقوا المآسي فعبروا عن رفضهم لنظام أذاقهم الهوان وطالبوا بحرياتهم بينما تقف مع آخرين رفعوا شعارات تطالب بحريات هي في أيديهم. هنا تقف ضد نظام أعطى الكثير لشعبه وإن شاب عمله شيء من القصور يمكن تلافيه بالإصلاح، وهناك تقف مع نظام ارتكب المجازر تلو المجازر ضد شعب بسيط كل همه أن يحصل على لقمة عيش كريمة. بالفعل أمرها غريب هذه السوسة التي تسخر كل إمكاناتها لتحرج نظاماً عرف طوال حياته بأنه مسالم ولا يعرف الإساءة لأحد بينما تدافع بيديها وأسنانها عن نظام ارتدى كل أثواب الفساد والإجرام حتى بات الرقم عشرين ألف قتيل دون القدرة على لفت انتباهه.
مقارنة بسيطة بين أحوال السوريين وأحوال البحرينيين يتضح منها مقدار الآلام التي ظل يعاني منها السوريون في حياتهم اليومية حتى صاروا يساقون إلى الموت كالأنعام، ومقدار البحبوحة التي يعيشها البحرينيون حتى الفقراء منهم. والفرق بين الشعبين لا يقتصر على الأمور المعيشية فقط ولكنه يمتد إلى الحريات، فشتان بين المتوافر منها في البحرين والمتوافر منها في سوريا، والدليل هو ما صار يعاني منه الشعب السوري الشقيق منذ أن بدأ يطالب بحريته ويحاول أن يرفع الظلم الشنيع عن كاهله.
فرق كبير بين حال الناس في سوريا وحال الناس في البحرين، ومع هذا تقف السوسة الإيرانية وإيران مع النظام السوري الذي يكاد أن يفتقد لكل معاني الإنسانية وتقف ضد النظام البحريني الذي يرى كل من له عينان ما يوفره لشعبه من رفاهية وأساسات المعيشة والحريات.
كل من يتابع تلك السوسة سيشهد مقدار الظلم الذي تمارسه ومن يقف من ورائها سواء بوقوفهما ضد السلطة في البحرين أو مع النظام في سوريا، وستدور في رأسه عشرات الأسئلة عن العلاقة بين المبادئ والمصالح.