أتصوّر أن إحدى مكارم الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، هو أن كل واحد منا يعود إلى البساطة، وهي الصفة التي جُبل عليها فطرياً منذ الولادة، والحب للناس الذي تعلّمه منذ أن بدأ يختلط بالآخرين، بدءاً بوالديه، وأخوته، وأنسابه، وصولاً إلى الجيران والأصدقاء، فزملاء المدرسة والمهنة؛ ويبدو وكأن رمضان يستفزّنا نحو البساطة، فنحن لا نملك سوى أن نسامح بعضنا بعضاً على أخطاء الماضي، وهفوات الأيام الخوالي، ولن نجد فرصةً أفضل من هذا الشهر الذي يجمع القلوب، ويقرِّب بين الأفكار، ويساعدنا على لم الشمل الأسري والمجتمعي.
لا أبالغ لو قلت أن الكثيرين منا قد لا يجدون وقتاً للقاء أخوالهم أو أعمامهم طوال العام، ويتحيّنون الفرصة لملاقاتهم في رمضان، حيث الأجواء تشع مودةً وفرحاً بلقاء الأحبّة، ناهيك أن هذا الشهر أيضاً هو الوقت الذي تزدهر فيه العطايا الخيرية، فتجد صلة القرابة والرحم تتجدّد تلقائياً، فكلنا إخوان في الإسلام والعروبة، وكلنا يريد توفير الحياة الهانئة للآخرين ما استطاع، فتراه يهب لتقديم ما تجود به يداه للفقراء المحتاجين، ويسعد حينما ترتسم الابتسامة على شفاههم.
ولما كانت البساطة هي الحاجة الأساسية التي ينشدها كل فرد منا في رمضان، وذلك وفقاً لنظرية “الحاجة المفقودة” التي نسعى راهناً لوضع افتراضاتها وتأسيس مبادئها الرئيسة، فإنه من الطبيعي أن تفرز هذه الحاجة رغبةً عارمةً أخرى لا غنى لنا عنها، وأقصد بذلك الحاجة إلى تواصل القلوب والأفكار، فنحن لا نذهب لملاقاة عمّنا أو خالنا الذي لم نره منذ أمدٍ بعيدٍ لمجرّد تنفيذ “مهمة طارئة” كلفنا أنفسنا بها، أو فقط لرفع العتب، أو كي لا ننعت بالجحود ونكران الجميل، ونُصنّف في فئة قاطعي الرحم، وإنما نذهب بقلوبٍ منفتحةٍ على الآخرين، فتجدنا ننشّد إلى أفكارهم، ونعانق سحرها وبريقها، ونتحاور في مضمونها علّنا نجد ذواتنا المفقودة فيها.
هكذا أصبح رمضان مقترناً على الدوام بالمبادرات الرسميّة والأهلية لتطييب القلوب والخواطر، ودعم السلم المدني، وتنمية أواصر المودّة بين مختلف فئات المجتمع، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم الفكرية، وضمن هذا السياق يمكن القول إن كل واحد منا يتعامل ببساطة وطيبة مع الآخرين لأنه يفترض أن هذه البساطة متأصلة فيهم، ولا يمكنهم انتزاعها من نفوسهم، وهذا يعني أن الطيبة المتجذِّرة في الأفئدة والأرواح تسعفنا في أن يحيا لغدٍ أكثر إشراقاً وجمالاً!