هذا هو المتوقع أن تقوله “الوفاق” لنفسها ولمن يعز عليها، بعد تعرضها للنقد اللاذع من قبل “صقور المعارضة” في الخارج، الرافعين لراية “إسقاط النظام”، فالخطوة التي قامت بها “الوفاق” واجتماعها مع نائب رئيس الوزراء في نظر أولئك خطوة “خائنة”، خاصة وأنها جاءت بطلب منها، وبتوظيف “واسطات”، ما استدعى الرد عليها ببساطة “ أنك يا “الوفاق” لا تمثلينا ولم يعطك أحد هذا الحق ولن يستجيب لك أحد.. فإما أن تعودي إلى رشدك أو نلغيك”!.
وقد استنفرت الحركات المعارضة لخطوة “الوفاق”، وكشرت عن أنيابها عبر الفضائيات، وخصوصاً “السوسة الإيرانية”، وقال المفوضون بالحديث باسم ما يطلق عليهم “ائتلاف فبراير”، و«حق”، و«خلاص”، و«وفاء”، و«أحرار البحرين”، وغيرها، ما معناه أن ما قامت به “الوفاق” يعبر عن طيش وقلة خبرة سياسية وقلة وعي، وأن مرحلة التفاوض والمصالحة انتهت، وأنه لا بديل لـ “إسقاط النظام”. هكذا بكل وضوح وبكل جرأة، ما يضع “الوفاق” في مأزق، ربما لم تكن تتوقعه، حيث ملخص الرسالة هي أن الشارع لم يعد بيدك “يالوفاق” وأنك اليوم تقادين ولا تقودين، وأنك إن أردت أن يكون لك دوراً وشأناً، فإن عليك أن تستجيبي لمن يستطيع أن يقول للناس اليوم اخرجوا في مظاهرة فيخرجون، وإن قال لهم احرقوا وخربوا يحرقون ويخربون ويدمرون.
ما حدث في اليومين الماضيين مثال عملي لما سبق أن رددناه عبر هذه المساحة، ملخصه أن جمعية “الوفاق” لم تعد هي من يقود الشارع ويتحكم فيه، وأنها تفقد ما تبقى لها من جمهور في الساعة نفسها، التي تخالف فيها أولئك الشباب الذين صاروا يحكمون الشارع. هذا يؤكد الفارق بين نظرتي “المعارضة” للمشكلة البحرينية حيث “الوفاق” والجمعيات السياسية بشكل عام، يدركون الواقع ويقرؤنه بطريقة تؤهلهم السير في الطريق الصحيح، لذلك يدعون إلى الإصلاح وتحقيق بعض المكاسب، التي بها يشعر معها الجمهور أنه حقق شيئاً طيباً، ومن دون المغامرة بمستقبل الدولة والتورط في مشروع عديم الرؤية عنوانه “إسقاط النظام”، بينما يضع ما صار ما يطلق عليه “ائتلاف فبراير” كل بيضه في سلة “إسقاط النظام”، الأمر الذي يعني أحد أمرين، إما أنه لا يدرك الواقع، ولا يحسن قراءته، وأنه قليل خبرة ومعرفة ودراية بالسياسة، أو أنه تلقى وعوداً بالدعم والمعونة للوصول إلى هذا الهدف من قبل دول قريبة أو بعيدة، ومن ثم فإن مسألة التفاهم والمصالحة بالنسبة إليه ليست ذات قيمة.
المسألة التي ينبغي الانتباه إليها وعدم إغفالها هي أنه طالما أن الشارع لم يعد في يد الجمعيات السياسية - الداعية إلى الإصلاح وتحقيق المكاسب التي لا يختلف عليها - وأنه لم يعد للوفاق القدرة على التأثير والإقناع بنظرتها ونظرة الجمعيات السياسية المتضامنة معها والتي دفعتها إلى طلب اللقاء بنائب رئيس الوزراء، طالما كان الحال كذلك فإن ما يقال إنه يجري في الكواليس وبدأ بعضه يظهر للعلن ليس إلا مضيعة للوقت، ذلك أن الطرف الآخر لم يعد الجمعيات السياسية وعلى رأسها “الوفاق”، وإنما أولئك الذين يعملون خارج الغطاء الشرعي. وبالتأكيد فإن السلطة – أي سلطة – يصعب عليها أن تتفاوض أو تتباحث أو حتى تتناقش مع معارضة من هذا النوع، ما يعني أن ما يتم حالياً مآله إلى الضياع، حيث الطرف المؤهل للجلوس إلى الطاولة لم يعد موافقاً عليه من جمهوره وجمهور “المعارضة”، وحيث الطرف غير المؤهل لا يمكن أن يدعى طالما أنه ينادي بإسقاط النظام.
الواضح من النقاشات الدائرة عبر الفضائيات هذه الأيام هو أن “المعارضة” تخشى على نفسها من التفكك والانقسام، لذلك فإن المتوقع أن تتراجع “الوفاق” عن خطوتها حتى وإن بدت اعترافاً بسحب القيادة منها.. فلا تنقلب الدنيا عليها!.