يقول المثل الدارج “من جعل نفسه سبوس لعبت فيه الدجاج”، وهو مثل مبني على آخر يقول “قلة العقل مصيبة”، وهما نتاج فعل أشخاص جعلوا أنفسهم أهدافاً سهلة للخداع وللعب بإرادتهم عبر تغييب العقل والتدبير ومنح زمام أمورهم لأشخاص آخرين يقودونهم من أنوفهم وهم يقولون لهم “سمعاً وطاعة” و«لبيك”.
اليوم من مازال يتبع قادة محاولة الانقلاب الفاشلة ويصدق ادعاءاتهم “الخيالية” بالانتصارات والفتوحات الإسلامية في رمضان تحديداً، إنما هو يخدع نفسه، بل يصر على أن يواصل لعب دوره في العملية باعتباره أداة طيعة توجه يميناً ويساراً، بينما من يقودون هذه العملية هم في الحقيقة يخوضون مساجلات ومباحثات وتدابير يسعون من خلالها لإنقاذ أنفسهم من الورطة، والتحصل على بعض المكاسب التي خسروها.
كثيرون ممن تبعوا الوفاق وأذيالها باتوا اليوم “يلعنونهم” وينتقدون كل خطواتهم، بل بعض العناصر امتلكت الشجاعة لتقول لهم إلى أين تمضون بنا، وبعض العناصر أخذ الغضب منها مأخذاً تجاه أمين عام الوفاق وأتباعه معتبرين أنهم “خذلوا” من صدقهم من الناس، ومن آمن بأنها ثورة ستغير وجه البحرين وستقلب النظام وستأتي بجنة الوفاق الموعودة.
هذه نتيجة طبيعية لمن قدموا أنفسهم على أنهم جماعات سهلة الخداع، وسهل جداً اللعب بهم عبر الكلام والوعود و«الخيالات”.
أتذكرون الهتافات في الدوار؟! حينما يعتلي أي شخص المنصة، لا يهم من يكون، فقط عليه أن يمسك الميكرفون ويقول لهم: بلغني أن قادة البلد ركبوا الطائرات وغادروا، وما هي إلا سويعات والحكم في أيديكم؟! عشرات صدقوا وهتفوا وهللوا وكبروا، وكأنهم يسمعون وحياً منزلاً لا ينطق عن الهوى.
حرقوا بضعة سيارات للشرطة، وألقوا مولوتوفات وسط هتافات بالتكبير وكأنهم يعيدون تمثيل فيلم عمر المختار، وبعدها يخرجون ليهنئوا بعضهم البعض وكأنهم انتصروا في المعركة وأن الدولة سقطت! أيعقل حرق سيارة أو اثنتين وحراك بأسلوب قطاع الطرق سيسقط دولة فيها جيش وعسكر، وفيها مكونات مجتمعية أخرى لن تقبل بالوقوف والتفرج عندما يصل التهديد عتبات بيوتها؟! حقا إنها دولة “هشة” لو حصل ذلك.
إنه الوهم الذي زرعوه في عقولكم، غذوكم بعقد المظلومية منذ الصغر، وبذروا نبتة الحقد والكره تجاه نظام هو يثبت اليوم بأنه هو الذي لا يبيع مواطنيه وأبناءه حتى لو عقوه وحتى لو أخطأوا بحقه وتطاولوا عليه ومارسوا الإرهاب فيه.
علي سلمان الذي صرخ فيكم صمود وعايركم بأنه ضحى من أجلكم، ماذا يفعل اليوم لأجلكم؟! هل هو في الصفوف الأمامية للمسيرات؟! مسيرة واحدة وصنعوا منها مسرحية درامية وادعوا بأنها محاولة اغتيال استهدفته حتى لا يخرج مرة أخرى، بينما أنتم تحرقون أعصابكم. الرجل يخطط لإعادة مد الروابط التي قطعوها مع الدولة، عبر الوسطاء إلى الديوان الملكي، وعبر التصريحات المشيدة بسمو ولي العهد، وعبر الإعلان بالاستعداد للحوار دون شروط.
إعلامكم الأصفر يلعب بكم، يصور لكم كل شيء على أنه انتصار، وآخر فبركاته بيان جلسة الاستماع بالكونجرس على أنها أدانت البحرين بشدة، مغيباً عنكم أبرز ما قيل والمعني بالإشادة بخطوات جلالة الملك الجريئة، وقدرة الدولة على إعادة الاستقرار للبلاد، والانتقاد لاستخدام العنف وحراك المعارضة.
من يدعوكم للخروج في مسيرات ومواجهات، لا تجدونه أصلاً يتقدم مسيراتكم، ومن يصدر البيانات الإعلامية الثورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويدعي قيادة ائتلاف 14 فبراير هو أصلاً بعيد عنكم بعشرات الأميال، متنعم باللجوء والحصانة، ويعيش حياة أفضل منكم بالاعتماد على المبالغ التي تعرفون من أين تغدق عليهم، بينما أنتم من يرسلونهم للموت المقصود، وأنتم من تكتوون بنار عدم الاستقرار المعيشي.
ألم يلعبوا بعقولكم حينما قالوا لكم لا حوار إلا في الدوار، وباقون حتى إسقاط النظام، واليوم تحول لحوار غير مشروط، وقول بأنهم لم يطالبوا “أبداً” بالإسقاط بل بإصلاح النظام؟! أين الثبات في النضال؟!
يفعلون ذلك لأنهم يجدون في الناس من يتبعهم عميانياً ودون توجيه أسئلة أو مناقشتهم فيما يفعلونه.
ألم تسألوا أنفسكم عن الوضع لو كتب لهم النجاح في مخططهم؟! من سيستأثر بالقوة والمناصب والنفوذ، أنتم يا من تتبعونهم وتمجدونهم، أم هم الذين قسموا الكعكة مسبقاً وانتشرت القوائم بالأسماء والمناصب الوزارية والرئاسية؟!
من منهم قضى نحبه وهو يدافع عن القضية المزعومة، من منهم سالت منه الدماء جراء المصادمات المفتعلة مع أجهزة الأمن، هم أم أنتم؟!
من قبل بأن يلعب به ويتحول لـ “رقم” يضيفونه في قوائمهم وإحصائياتهم هو الذي تضرر، وهو الخاسر مما حصل، والله هم لم ولن يخسروا، فقط “صفقة” صغيرة مع الدولة تمكنهم من العودة لمقاعد النواب والحصول على سيارات فارهة جديدة خاصة وأن الراتب التقاعدي مازال يمشي، حينها ماذا سيفعل الذين صدقوهم؟!
يوهمونكم بانتصارات “كرتونية”، تهللون وتكبرون حينما تجدون عنصراً شاذاً من المكونات الأخرى يصطف معكم في حراككم الطائفي. أبسط وسيلة لخداعكم هو أن يظهر شخص يريد البروز والتحول لبطل هصور ليقول بنفس كلامكم، مدرك بأنه من “فصيلة” أخرى ومن طائفة أخرى وأنتم بكل سهولة ستضعونه “تاجاً” على رؤوسكم ويتحول لـ«شريف” و«ناشط”، وعارف تماماً بأنكم تحتاجونهم لتحاولوا إثبات صدق كذبة هتاف “سنة وشيعة”، رغم أنكم تدركون حقيقة الكذبة، وأنهم ليسوا إلا عناصر شاذة تريد البروز، لكن ماذا يفعل اليائس غير إيهام نفسه، وماذا يفعل الغارق غير التشبث بقشة؟!
حتى من يعول على تصريحات عناصر مبعثرة هنا وهناك من الكونجرس الأمريكي أو مجلس العموم البريطاني أو اللوردات أو مؤسسات حقوق إنسان وغيرها، ويعتبر كل سطر يصب في نفس خانتكم انتصاراً، عليكم أن تتذكروا في النهاية أن كل هذا لن يقود في ليلة وضحاها لتدخل دولي يغير شكل البحرين ويمنحها هدية لكم ببساطة، فالحقيقة المرة أن في البحرين أغلبية شعب ترفض الحراك الاحتلالي الطائفي الذي يحصل.
هاهي سوريا والنظام الدموي لبشار الأسد يحصد عشرات الآلاف من الأبرياء، ويستدعي عشرات التصريحات والاستنكارات والتحركات الدولية، فما النتيجة المخجلة التي وصل لها المجتمع الدولي وكل ملامح الديكتاتورية والاستبداد واضحة؟! أكثر من عام ومازال الأبرياء يعانون، ومازال أصحاب القضية العادلة يبحثون عن العدالة الدولية.
هذا بشأن قضية عادلة، أما بشأن ما يحصل في البحرين من مخطط يخدم الأجندات الخارجية ويمهد الطريق لتحقيق حلم التمدد الصفوي الإيراني، فإن الديكتاتورية والاستبداد الواقع ليس من قبل دولة هي التي أخذت المبادرة بغض الطرف عن كثير ممن خانوها وطعنوها في ظهرها وباتت تعمل على إعادة اللحمة رغماً عمن يريد استمرار الفوضى، بل الاستبداد صادر ممن استعبد إرادتكم وحولكم لطابور خامس يستهدف دولته، وحينما دقت ساعة الحقيقة، تركوكم وركضوا خلف مصالحهم التي ستتحقق لهم عبر حوار أو اتفاقات أياً كانت.
اليوم من يعيش القهر الحقيقي؟! الدولة التي لم تسقط، الشعب المخلص الذي صد التهديد الموجه لمستقبله ومصيره وانتصر، المعارضة التي تلعب على الحبلين وتغير خطابها بالدقيقة بحثاً عن مصالحها، أم الجموع التي غيبت عقولها وسلمت إرادتها وتم استخدامها كوقود محرقة ثم تركت كرماد هشيم ملأى بالإحباط واليأس والغضب؟!