في لحظة عصف ذهني، شغلني سؤال من ضمن ما يأتينا من أسئلة يكون خلفها (شيطان الكتابة.. لكنه شيطان سلمي على غرار السلمية) فكان هذا السؤال؛ إذا كان بسيوني قد قال ضمن ما قاله إن البحرين لم تكن بحاجة لثورة كون أبواب الديمقراطية مفتوحة، إذا كان كذلك، فلماذا نذهب إلى حوار على خلفية محاولة الانقلاب؟ أم أن الحوار هو لوقف الإرهاب فقط؟.
وإذا لم يتوقف الإرهاب بعد الحوار، فما هو الحل الذي سوف تقدمه الدولة للمواطن الذي يكتوي بنار الإرهاب منذ عامين بشكل ممنهج؟
ليس ذلك ما أنا بصدده اليوم، لكنه (شيطان السلمية) وهو ليس بعيداً عما سآتي عليه، منذ مدة ليست بالقصيرة ونحن ننادي أن تخرج الأصوات الشيعية الوطنية المحبة للبحرين والرافضة لاختطاف صوتها وإرادتها، والرافضة للإرهاب والقتل واستباحة الحرمات واستهداف عابري الطريق بشكل عشوائي.
وللأمانة وللحق، فإن الشيخ محسن العصفور هو أحد رجالات البحرين الوطنيين الذين لم يتوقفوا يوماً عن قول كلمة الحق، رغم ما يتعرض إليه من قمع من الإرهابيين والمتطرفين.
لا نحاكم الناس على مذهبهم أو عقيدتهم، هذا مبدأ إسلامي وبحريني، كل إنسان يعبد ربه كيفما يرى ويشاء ويعتقد، ذلك حقه، ورب العباد أعطانا العقل والتمييز، وكل إنسان منا سيحمل وزر نفسه يوم القيامة، لن يحمل أوزارنا غيرنا. منذ حقب التاريخ القديم يحسب للأسرة المالكة أنها كرست الحرية الدينية في البلاد للمسلم وغير المسلم، وهذا أمر يجعل الناس تعيش حياتها مطمئنة، فلا إكراه في الدين، لكل إنسان الحق في اختيار دينه ومذهبه، هذا حقه.
لكن أهل البحرين يرفضون اليوم من بعد كل الحريات الدينية والديمقراطية المؤسسية أن تأتي جماعة وتحرق البلاد لأنها أرادت استغلال الربيع العربي للانقلاب على الشرعية في البحرين، وأخذت تتمادى بالإرهاب والقتل حتى طال ذلك المارة في الشارع بشكل عشوائي، فأي مذهب هذا الذي يقول لك اقذف بأبناء بلدك والمقيمين والأجانب بالمولوتوف من أجل مطالب يعرف أهل البحرين أنها فئوية.
هذا ما قاله الشيخ محسن العصفور، وهو من أسرة بحرينية عريقة، “إن المواطنين سئموا حالة الإرهاب في المدن والقرى وسرقة إسطوانات الغاز لتفجيرها في القرى والأحياء السكنية”، وأضاف “أن الهدف هو ضرب الاقتصاد والحركة التجارية وإغلاق مصادر رزق المواطنين إمعاناً في ضرب الاقتصاد الوطني”. هناك أصوات وطنية شيعية أخرى خرجت، ونأمل أن تخرج البقية، فحرق الوطن يضر بالجميع، ومن يحسب أن النار لا تحرقه فهو واهم، فمثل ما يحترق بعض من يلقي المولوتوف من نار القنبلة وقد شاهدنا مثل هذه الحوادث، سوف تأتي النار على من يلعب بها. من يحدثنا عن عودة اللحمة ألم يسأل يوماً من قطع اللحمة الوطنية؟
هل كانت البحرين قبل 14 فبراير هكذا؟.. أليس ما يمر به المجتمع هو حالة طبيعية جداً من بعد الإرهاب والانقلاب؟
هل تنسى الناس في ساعة من كان يريد أن يختطف البحرين؟
هذا جرح غائر وعميق، وحده الزمن كفيل بعلاجه، ولن يجدي ميثاق هنا، أو جمعية هناك من أجل اللحمة، هذا شعور تلقائي لدى الناس، لن يفرض أحد على الناس أن يغيروا مشاعرهم لأن الانقلابي بدل خطابه “من باب التقية السياسية” والآن نقول للناس أنتم أيضاً (اعملوا نفسكم مش دارين) وخذوا بالأحضان من كان يقول لكم “ارحلوا” و«يسقط النظام..!”.
حال المواطن يقول اليوم إن مشاعره وإحساسه وجرحه لن يتغيروا والبلاد تحرق كل يوم، بل إن وعود الإرهاب النوعي تتوعدنا بعد رمضان، فعن أي لحمة تتحدثون؟.. “اللحمة طلعت فاسدة يا جماعة”.
اتركوا الناس يقرروا بأنفسهم كيف يتعاملون مع من كان يريد الغدر بهم، لا أن نفرض عليهم قسراً، ولا نفرض عليهم وداً، هذا أمر يتعلق بالإنسان نفسه.
لكن هناك حقيقة أجدها في أهل البحرين من خلال المجالس الرمضانية وهي أن من يعاملك معاملة أخوية طيبة، ولم تر منه ضرراً لا في الأزمة ولا اليوم، فإن القلوب ليس بها شيء، والعلاقة طبيعية، لكن لا أحد يفرض على الناس أمراً وفي أنفسهم جرح كبير مازال ينزف.
نختلف مع الدولة أو مع النظام أو مع أمور سياسية حاصلة، هذا متاح اليوم، لكن أيادي الحرق والتخريب لن تكون الحل، بل الحل وطني بامتياز، ولن تكون هي التي تفرض على أهل البحرين أجندة بعينها، هذا لا يمكن أن يحدث. نضع أيادينا في أياد وطنية مثل يد الشيخ محسن العصفور، هذا هو شريك حقيقي نقف معه على أرض صلبة، وهي حب البحرين وأهلها، ورفض أجندات العنف والإرهاب والاستقواء بجهة خارجية ضد البحرين، هذه أرضنا المشتركة، ولكل إنسان حرية المعتقد والدين والعبادة.
^^ وزير العدل والخطاب الديني
نسمع أكثر مما نرى على الأرض عن ضبط الخطاب الديني، وهذا الأمر قد جاء فيه أكثر من توجيه ملكي، فمتى نرى ضبط الخطاب الديني التحريضي المتطرف؟
الأخ الفاضل وزير العدل، نكن لك المحبة والاحترام، لكن الضبط يلحق بأناس تسلطون عليهم القوانين، ولا يلحق بآخرين، فمتى يستوي الجميع تحت القانون، كل خطاب تحريضي أوقفوه، من هنا أو من هناك، هل هذا صعب؟
إلا إذا كانت الوزارة لديها خطوط حمراء عند أناس تخشى أن تطبق عليهم القانون، إن كان كذلك فلا تطبقوه على أناس دون آخرين رجاءً.