الكل يأمل أن تكون (القمة الإسلامية الاستثنائية) التي دعا لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هي قمة التضامن الإسلامي، هذه القمة التي ستحتضنها مكة المكرمة، أطهر بقاع الدنيا، وبين جدران بيت العروبة والإسلام المملكة العربية السعودية يرجى فعلاً أن تكون بحجم التحديات العظام التي تواجهها الأمة وأبرزها الملف السوري وما تمخض عنه من تبعات، فالقمة مطالبة بموقف واضح وصريح من معاناة الشعب السوري وسط التخاذل الدولي غير المبرر!! رغم أعذار حق (الظلم) الذي يفرضه الفيتو الروسي الصيني!!
إن هذه القمة ليست الأولى التي تستضيفها مكة المكرمة؛ فالأولى كانت في يناير 1981 في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله، والثانية كانت حين عقد المؤتمر الاستثنائي الذي دعا إليه الملك عبدالله في ديسمبر 2005، لكن الجديد أن إيران التي امتنعت عن حضور القمة الأولى إبان بدايات الثورة الخمينية أعلنت هذه المرة أنها ستحضر قمة هذا العام، وبين الغياب والحضور تبقى إيران ما بعد الثورة المحملة بمطامع تصديرها وزرعها قسراً في دول العالم الإسلامي، وبالأخص انطلاقاً من الخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان؛ هي دائماً مصدر الخلافات والاضطرابات التي تضرب خاصرة العالم الإسلامي بمواقفها المعلنة وبعملها السري الذي يكتشف بين الحين والآخر!! فإيران التي تدعم الحوثيين في اليمن وتطبق اليوم على العراق وتتحكم بجيبها في لبنان وتزرع الفتنة في البحرين والسعودية والكويت هي نفسها التي تأمل بقاء النظام السوري الذي قتل أكثر من 30 ألف طفل وامرأة وشيخ وشاب، ولا يبدو أنه سيكتفي!!
كل هذه المواقف الإيرانية أدت إلى ظهور الطائفية والتطرف بين أتباع المذاهب المختلفة الذين تعايشوا لسنوات طويلة رغم الاختلافات بينهم، لكن انتماءهم جميعاً وولاءهم لأوطانهم وعروبتهم وقياداتهم كان يحول دون ظهور هذه الاختلافات وتحولها إلى خلافات أو صراعات تكون بيئة خصبة لظهور وعلو كعب الطائفيين والمتعصبين!!
ففي دولنا يوجد مواطنون حتى من غير أتباع الدين الإسلامي من مسيح ويهود، ويوجد مقيمون بوذيون وهندوس ومن مختلف المعتقدات تعايشوا وبنوا وعمروا وطلبوا الرزق والسكن والأمان، كان ذلك وما يزال حاضراً إلى يومنا هذا، فالأولى به أن يكون بين أبناء الدين الواحد وإن اختلفت مذاهبهم، فمنهم السنة والشيعة وغيرهم!! وهذا ما كان إلى الأمس القريب الذي ظهر فيه فكر وأطماع تصدير الثورة.
ولعل الأحداث المتسارعة التي شهدها العام 2011 كانت القشة التي كسرت ظهر التعايش والسلم بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد، فكانت أحداث البحرين أولاً، ثم الكويت والسعودية وسوريا، ودعم إيران المعلن وتدخلاتها واتصالها بالمؤزمين في كل تلك الدول أدى إلى ظهور حالة غير مسبوقة من التعصب والاصطفاف الطائفي، بشكل يوحي أن الناس الذين كانوا لسنوات يتزاورون ويتناسبون ويتجاورون في السكن والعمل والأسواق والشوارع والأندية والمنتخبات الوطنية والمسارح والملتقيات الثقافية وفي كل مكان، الناس الذين كانوا يتقاسمون هواجس البحث عن سكن مناسب ولقمة عيش كريمة وتعليم وخدمات صحية وكهرباء وغيرها مما جمعهم واشتركوا به، لا فرق بين مذهبهم وطائفتهم، كأنهم اليوم غرباء لا يعرف بعضهم الآخر!!
فمن الذي تسبب في ذلك ومن الذي أطلق شرارته؟! إنها إيران وأتباعها ممن أيقظوا الفتنة النائمة، ولكي نجيب على سؤال أعرف بديهيا أنهم سيطرحونه علينا وهو؛ من الذي تسبب في الطائفية؟ ألا توجد أطراف أخرى شاركت في ذلك؟، أقول نعم؛ فقد شاركت جهات أخرى في بث روح التعصب الطائفي وبات الغالب اليوم على كل الأطراف سمة التخندق الطائفي، لكنكم أنتم من بدأ شرارة الطائفية ولعب بنارها وحركها في نفوس العامة بعد أن كانت محبوسة في قلوب أقلية لا تستطيع أن تجاهر بها، إذ أنها كانت ستواجه بالرفض والاستنكار من أبناء طائفتها قبل غيرهم، فمن يحمل الوزر الأكبر مما حدث؟!
إن التحدي الأكبر والمصيري أمام قمة مكة المكرمة الاستثنائية هو التعامل مع حالة التعصب الطائفي الذي باتت هاجساً مقلقاً يفتح الباب مشرعاً أمام كل السناريوهات، ولعل أبرزها ذلك التساؤل الذي ورد في مقال المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري (المنتظر من قمة مكة التي دعا إليها الملك عبدالله بن عبدالعزيز) (الأيام:الخميس 9 أغسطس2012)، حين طرح التالي (كيف نتجنب الحرب الأهلية بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، خاصة أن هناك قوى دولية تخطط لإذكاء روح الفتنة بين الجانبين، كما إن مؤشرات عدة تشير إلى إمكانية حدوث هذا المحذور، خاصة إذا تم الخلط بين الدين والسياسة)، نعم مؤشرات حدوث ذلك عديدة نشهدها بشكل واضح يومياً في سوريا ولبنان اللتين قد تكونا فقط الشرارة التي لا يستطيع أحد الجزم بإمكانية احتوائها!! فهل تستطيع القمة استباق العمل على تجنب ذلك والتصدي له في مهده؟
ذلك هو السؤال الكبير!!