الأمور تغيرت كثيراً اليوم عن عام بالتحديد، تبدلت الأدوار، فمن كان يحرق كل فرصة منحت له لإيقاف الفوضى والعنف وتحصيل مكاسب في المقابل، هو اليوم يركض لاهثاً وراء الدولة من أجل أن تجلس معه على طاولة الحوار، ومن كان مشاركاً بقوة في الحوار هو اليوم رافض للجلوس مع إرهابيين ومخربين أثبتوا أنهم لا يريدون أي خير للبلد.
عام وبضعة أشهر، صنعت فارقاً كبيراً، فمن كان يتفنن في رفض فرص الحوار، ويشارك وينسحب ويستحقر من تأثيره، ويستهين بالمكونات الأخرى ولا يعتبرهم جزءاً من هذا الوطن له حق في الكلام، ويضع بدل الشرط عشرة، هو اليوم من يقول إنه مستعد للحوار وينتظر دعوة من رموز الحكم في البلد، وإنه مستعد لدخول الحوار بدون شروط، ولا مشكلة في أن يضم الحوار كل مكونات المجتمع.
نبرة الحديث تغيرت أيضاً، فمن كان يقول لا حوار إلا في الدوار، هو اليوم يحطم الرقم القياسي لزيارة الدواوين لـ«استجداء” بدء الحوار، ووصل لمستوى يقول فيه وسطاؤه للنظام “اعطونا شيئاً نحفظ به ماء وجهنا”. كلامهم تغير فـ«إسقاط” أصبحت “إصلاح”، و«صامدون” أصبحت “محاورون”.
هم لا يقومون بكل ذلك - وهم مدركون أن الناس يعون ويفهمون ويلاحظون تغير المواقف وتبدل الخطاب- إلا بسبب قلة الحيلة وعدم انطلاء كلامهم الدرامي المسرحي على العالم، مثلما كان يحصل فيما مضى. فالمجتمع الدولي اليوم سيصدق بالتأكيد ما يحصل من مجازر في سوريا ولن يصدقكم لأنكم تتحدثون وكأن البحرين تسيل فيها أنهار دماء تغطي سوريا وبورما، وكل مكان دون إثباتات سوى فيديوهات معد لها سلفاً، تقابلها فيديوهات تدينكم بالإرهاب أصلاً، وتوضح استهدافكم الشرطة وتثبت كذبكم بادعاء السلمية بينما المولوتوف يتطاير هنا وهناك.
لن يستمر المجتمع الدولي في تصديق ادعاءات غياب الديمقراطية وقمع حريات التعبير في وقت مرجعكم الأعلى يحرض ويهدد ويتوعد من على المنبر ولا أحد يحاسبه من الدولة، بل يتعطل القانون من أجله، في وقت رؤوس التحريض تسافر هنا وهناك وتتحدث بأريحية دون مضايقات.
تقولون الدولة فصلت وهدمت وتجاوزت، في مقابل أن الدولة وعلى الملأ العالمي جاءت بلجنة دولية مستقلة لتتحدث عن الأخطاء وعلى الملأ العالمي، لتقبل بذلك الدولة وتقوم من جانبها بمزيد من الإصلاحات على ضوء التقرير، وهو ما حصل، فمن سيصدق اليوم مجرد كلام يطلق في الهواء، وأرقاماً وإحصائيات تذكر دون مصادر موثقة؟!
الغرب ليس مغفلاً لهذه الدرجة، هو عرف حقيقة ما حصل وأصل أهدافكم، فحصر رد فعله اليوم بتوصية واضحة مفادها أن عودوا للجلوس إلى طاولة الحوار مع النظام، لأن الحوار وحده هو الذي سيحل الأزمة.
لأن الغرب قال ذلك تبدل الخطاب، من أصر في السابق على أن يكون الحوار بين 5 ممثلين عن الدولة و5 ممثلين عن المعارضة والبقية لا مكان لهم من الإعراب، هو اليوم الذي ينتظر أن “تشاور” الدولة فقط حتى يركض ويجلس على طاولة الحوار، هو الذي يحاول في كل فعالياته وندواته أن يخفف من وطأة غضب شارعه عليه حينما يتحدث عن الحوار، ويوهمهم بأنه الأسلوب التكتيكي الأنسب الآن.
ألم تقولوا عائدون، وضحينا من أجلكم، وصمود؟! فأين كل هذا من قول ممثلكم وأمام أعضاء في الكونجرس وكأنه يتعهد على نفسه وعلى جمعيته بأن يشاركوا في الحوار قبل غيرهم، فقط لو وصلتهم دعوة من سمو ولي العهد؟!
الانكسار واضح، وقلة الحيلة بانت، فما يهدفون إليه لن يتحقق في الشارع، وعبر إرهاب يمارس يومياً ويضحك به على الذقون، تحرق حاويات قمامة فيهللون ويكبرون وكأنهم حرروا القدس، وتهاجم دوريات شرطة بالمولوتوف فيصورون العملية وكأن الدولة سقطت برمتها، تحولت المسألة من كذب على الغير وعلى العالم إلى كذب على الذات.
قد لا يحصلون على شيء من وراء الحوار خاصة أنهم سيكونون جزءاً صغيراً من أجزاء عديدة يتكون منها المجتمع ولها الحق في رسم مستقبل هذا البلد، لكن مجرد مشاركتهم قد تمثل لهم فرصة لإعادة تدويل صراخهم ولإعادة ممارسة الكذب عبر ترديد نفس الإسطوانة من أن هذا الحوار ليس سوى منتدى أفكار ولا يرتجى منه الكثير.
نعرف الخلاصة تماماً، الحوار لن يكون على هواكم ومزاجكم، لن تكون نتائجه متطابقة 100% مع أهدافكم، وسقف مطالبكم الذي لا تتنازلون عنه. وبالتالي “لهاثكم” عليه، ليس سوى لاستغلاله إعلامياً، ولإعادة لفت انتباه العالم مجدداً، باعتبار أن الفصل الأول من المسرحية لقي نوعاً من الإقبال، لكن الفصل الثاني عزف عنه كثيرون حينما اكتشفوا أن السيناريو ضعيف وفيه من المبالغات مالا يصدقه العاقل.
إن كانت الدولة ستعقد حواراً جديداً، فلا يجب أن يكون الحوار عبارة عن وسيلة لهم لإعادة نشر ضجيج الكذب في كل بقعة، بل يجب أن يكون حواراً يكشف زيفهم ويحرق آخر “كروت” كذبهم، وينهي هذا المسلسل الطويل الممل.
{{ article.visit_count }}
عام وبضعة أشهر، صنعت فارقاً كبيراً، فمن كان يتفنن في رفض فرص الحوار، ويشارك وينسحب ويستحقر من تأثيره، ويستهين بالمكونات الأخرى ولا يعتبرهم جزءاً من هذا الوطن له حق في الكلام، ويضع بدل الشرط عشرة، هو اليوم من يقول إنه مستعد للحوار وينتظر دعوة من رموز الحكم في البلد، وإنه مستعد لدخول الحوار بدون شروط، ولا مشكلة في أن يضم الحوار كل مكونات المجتمع.
نبرة الحديث تغيرت أيضاً، فمن كان يقول لا حوار إلا في الدوار، هو اليوم يحطم الرقم القياسي لزيارة الدواوين لـ«استجداء” بدء الحوار، ووصل لمستوى يقول فيه وسطاؤه للنظام “اعطونا شيئاً نحفظ به ماء وجهنا”. كلامهم تغير فـ«إسقاط” أصبحت “إصلاح”، و«صامدون” أصبحت “محاورون”.
هم لا يقومون بكل ذلك - وهم مدركون أن الناس يعون ويفهمون ويلاحظون تغير المواقف وتبدل الخطاب- إلا بسبب قلة الحيلة وعدم انطلاء كلامهم الدرامي المسرحي على العالم، مثلما كان يحصل فيما مضى. فالمجتمع الدولي اليوم سيصدق بالتأكيد ما يحصل من مجازر في سوريا ولن يصدقكم لأنكم تتحدثون وكأن البحرين تسيل فيها أنهار دماء تغطي سوريا وبورما، وكل مكان دون إثباتات سوى فيديوهات معد لها سلفاً، تقابلها فيديوهات تدينكم بالإرهاب أصلاً، وتوضح استهدافكم الشرطة وتثبت كذبكم بادعاء السلمية بينما المولوتوف يتطاير هنا وهناك.
لن يستمر المجتمع الدولي في تصديق ادعاءات غياب الديمقراطية وقمع حريات التعبير في وقت مرجعكم الأعلى يحرض ويهدد ويتوعد من على المنبر ولا أحد يحاسبه من الدولة، بل يتعطل القانون من أجله، في وقت رؤوس التحريض تسافر هنا وهناك وتتحدث بأريحية دون مضايقات.
تقولون الدولة فصلت وهدمت وتجاوزت، في مقابل أن الدولة وعلى الملأ العالمي جاءت بلجنة دولية مستقلة لتتحدث عن الأخطاء وعلى الملأ العالمي، لتقبل بذلك الدولة وتقوم من جانبها بمزيد من الإصلاحات على ضوء التقرير، وهو ما حصل، فمن سيصدق اليوم مجرد كلام يطلق في الهواء، وأرقاماً وإحصائيات تذكر دون مصادر موثقة؟!
الغرب ليس مغفلاً لهذه الدرجة، هو عرف حقيقة ما حصل وأصل أهدافكم، فحصر رد فعله اليوم بتوصية واضحة مفادها أن عودوا للجلوس إلى طاولة الحوار مع النظام، لأن الحوار وحده هو الذي سيحل الأزمة.
لأن الغرب قال ذلك تبدل الخطاب، من أصر في السابق على أن يكون الحوار بين 5 ممثلين عن الدولة و5 ممثلين عن المعارضة والبقية لا مكان لهم من الإعراب، هو اليوم الذي ينتظر أن “تشاور” الدولة فقط حتى يركض ويجلس على طاولة الحوار، هو الذي يحاول في كل فعالياته وندواته أن يخفف من وطأة غضب شارعه عليه حينما يتحدث عن الحوار، ويوهمهم بأنه الأسلوب التكتيكي الأنسب الآن.
ألم تقولوا عائدون، وضحينا من أجلكم، وصمود؟! فأين كل هذا من قول ممثلكم وأمام أعضاء في الكونجرس وكأنه يتعهد على نفسه وعلى جمعيته بأن يشاركوا في الحوار قبل غيرهم، فقط لو وصلتهم دعوة من سمو ولي العهد؟!
الانكسار واضح، وقلة الحيلة بانت، فما يهدفون إليه لن يتحقق في الشارع، وعبر إرهاب يمارس يومياً ويضحك به على الذقون، تحرق حاويات قمامة فيهللون ويكبرون وكأنهم حرروا القدس، وتهاجم دوريات شرطة بالمولوتوف فيصورون العملية وكأن الدولة سقطت برمتها، تحولت المسألة من كذب على الغير وعلى العالم إلى كذب على الذات.
قد لا يحصلون على شيء من وراء الحوار خاصة أنهم سيكونون جزءاً صغيراً من أجزاء عديدة يتكون منها المجتمع ولها الحق في رسم مستقبل هذا البلد، لكن مجرد مشاركتهم قد تمثل لهم فرصة لإعادة تدويل صراخهم ولإعادة ممارسة الكذب عبر ترديد نفس الإسطوانة من أن هذا الحوار ليس سوى منتدى أفكار ولا يرتجى منه الكثير.
نعرف الخلاصة تماماً، الحوار لن يكون على هواكم ومزاجكم، لن تكون نتائجه متطابقة 100% مع أهدافكم، وسقف مطالبكم الذي لا تتنازلون عنه. وبالتالي “لهاثكم” عليه، ليس سوى لاستغلاله إعلامياً، ولإعادة لفت انتباه العالم مجدداً، باعتبار أن الفصل الأول من المسرحية لقي نوعاً من الإقبال، لكن الفصل الثاني عزف عنه كثيرون حينما اكتشفوا أن السيناريو ضعيف وفيه من المبالغات مالا يصدقه العاقل.
إن كانت الدولة ستعقد حواراً جديداً، فلا يجب أن يكون الحوار عبارة عن وسيلة لهم لإعادة نشر ضجيج الكذب في كل بقعة، بل يجب أن يكون حواراً يكشف زيفهم ويحرق آخر “كروت” كذبهم، وينهي هذا المسلسل الطويل الممل.