لا نفهم كيف تطالب حكومات الدول الصديقة والحليفة ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها من حكومة البحرين التحاور مع جماعات سياسية راديكالية مثل “الوفاق” والتنظيمات السياسية التابعة لها؟!
الحكومات الأجنبية تتسارع بشكل مبالغ فيه عندما تتخذ الدولة إجراءً يحفظ سيادتها وهيبتها وتطبق قوانينها الوطنية على من يتجاوز القوانين ويمارس العنف والإرهاب، وتكون اللغة المستخدمة “حكومة.. تطالب بالهدوء وعدم قمع المعارضة.. ونطالب بحوار ذي مغزى بين الحكومة والمعارضة..”. هذه هي اللغة المستخدمة ويبدو أن المعارضة الراديكالية في البحرين اعتادت سماع مثل هذه التصريحات والبيانات لدرجة أن أمين عام “الوفاق” صار يستخدم عبارة “حوار ذي مغزى” أكثر من استخدامه مفردة “المصلحة الوطنية”!
عندما تتسارع الحكومات الأجنبية لانتقاد الحكومة وكأنها في سباق مع الدولة التي تتشدق بأنها “حليفة” وتربطها مصالح مشتركة معها وعلاقات تاريخية قديمة، فإنها -أي الحكومات الأجنبية- لا تكترث البتة عندما تخرج المعارضة الراديكالية على القانون، وتمارس شتى صور القمع والإرهاب، لأن كل ذلك يأتي في إطار “الحرية والتعبير عن القانون”، ويجب على حكومة البحرين الالتزام به.
ليس مطلوباً من حكومة البحرين وكافة مؤسسات الدولة البحرينية أن تطبق القوانين بالمعايير الأجنبية المعمول بها في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة وغيرها من البلدان التي سبقتنا ديمقراطياً. فلكل بلد ظروفه، ولكل بلد سياقه الاجتماعي الذي أدى إلى صدور تشريعات معينة تتفق في أصلها المتعلق بالحريات والحقوق، ولكنه يختلف في الشكل.
فإذا كانت المعايير متشابهة وشكل القوانين واحد، فإننا سنجد قوانين بحرينية تطالب بإقرار حقوق مثليي الجنس، والحريات الجنسية بشكلها المطلق كما هو معمول به في المجتمعات الغربية. ولكنه عندنا بالمعايير البحرينية مرفوض رفضاً قاطعاً لاختلافه التام مع القيم والثقافة البحرينية المستمدة من الانتماء العروبي والقيم الإسلامية الأصيلة.
لا نفهم تماماً عندما تطالب الحكومات الأجنبية الحليفة والصديقة وتطالب حكومة البحرين بكل وقاحة -وكأنها وكيل دفاع عن “الوفاق” والتنظيمات السياسية التابعة لها- بضرورة منح “الوفاق” التراخيص اللازمة للخروج في عدد غير محدود من المسيرات والتجمعات العامة، وكأنه لا يوجد لدينا قانون ينظم الحق الدستوري المتعلق بالتعبير عن الرأي، فمتى ما تم إطلاق هذا الحق، فإن الفوضى هي التي ستعم. وبعدها تأتي هذه الحكومات وتطالب حكومة البحرين بـ “حوار ذي مغزى” مع “الوفاق”!
واشنطن وغيرها لا تفهم أن موقف شعب البحرين بسُنته وشيعته وبقية مكونات المجتمع المحلي متحدة، وصارت أقوى وأكثر وضوحاً من أي وقت مضى. فالتحدي الداخلي واضح ومعروف، وكذلك هي التحديات الخارجية؛ لدينا فئة خارجة على القانون منذ سبعينات القرن العشرين، ولها ارتباطات واضحة وقاطعة مع حكم الملالي في طهران، ولا تريد حواراً أو إصلاحاً أو حتى حقوقاً. بل تريد استلاب الحكم الشرعي من الدولة لا أكثر.
أيضاً واشنطن وغيرها لا تفهم أبعاد سيناريو التغيير السياسي في المنامة، وماذا ستؤول إليه الأوضاع في حالة حدوث هذا التغيير المرفوض. فلو تبوَّأت “الوفاق” وحليفاتها الحكم في المنامة، فإن أول طرف ستنقلب عليه هي واشنطن وغيرها من العواصم التي دعمتها وكانت تدافع عنها. ولدينا أمثلة تاريخية تكشف حدة تيار “ولاية الفقيه” و«حزب الله” في التعامل مع واشنطن، فمازالت الذاكرة التاريخية حيّة بحادثة احتلال السفارة الأمريكية في طهران من قبل الطلبة الإيرانيين الذين دعمتهم واشنطن للإسقاط بنظام الشاه في إيران. وكذلك الحال بالنسبة لسلسلة التفجيرات التي تعرّضت لها المصالح الأمريكية في العاصمة اللبنانية بيروت من قبل ميليشيات “حزب الله” قبل عقود.
وحتى لو ضربت إسرائيل إيران عسكرياً؛ ماذا تتوقع واشنطن وغيرها من الحكومات الأجنبية الحليفة والصديقة من “الوفاق” وحليفاتها كردة فعل؟
أعتقد أن النتيجة معروفة، وستكون المصالح الأمريكية والغربية في البحرين تحديداً وبقية دول مجلس التعاون الخليجي هي المستهدفة. ولذلك لسنا بحاجة لحكومات الدول الأجنبية الحليفة والصديقة لتؤكد لنا ضرورة الحوار، لأن الحوار المطلوب هنا سيكون حواراً “مع الطوفة”.