جاء وصول الرئيس محمد مرسي، الذي ينتمي للإخوان المسلمين، إلى سدة الحكم ليثير قلقاً ليس لدي دول الخليج؛ بل لدي كثير من المصريين المؤمنين باعتدال مصر وعقلانية سياستها الداخلية والخارجية وعدم انحياز الدولة مذهبياً أو دينياً لفريق دون آخر، لهذا فإنني أشير إلى أن المذهب المعتمد في الأحوال الشخصية في مصر، هو المذهب الحنفي منذ فترة الحكم العثماني، ولم تتخلَ عنه مصر بعد استقلالها، بينما معظم المصريين في الأزهر الشريف ينتمون للمذهب الفقهي للإمام مالك، وبعض المصريين ينتمون للمذهب الشافعي الذي هو التلميذ النجيب للإمام الليث الذي كان إمام المصريين قبل ظهور المذهب الشافعي. باختصار مصر الأزهر المتسامحة تترك الحرية المذهبية لكل فرد في عبادته، ويقوم الأزهر الشريف بتدريس مختلف المذاهب الإسلامية ويسمح بالتعبد على أي من المذاهب الخمسة، الأربعة السنية والمذهب الشيعي، ولكن الأزهر والشعب المصري يرفضان بقوة انتصار أي مذهب لنشره بأساليب غير سلمية أو أساليب تمثل تجريحاً أو اعتداء على المذاهب الأخرى، كما إن مصر تحترم التعددية المسيحية في المذاهب رغم وجود أكثرية قبطية ممن يعتنقون الديانة المسيحية التي هي بدورها -مجازاً- ديانة مصرية، لأنها أول الديانات السماوية التي عرفت في مصر بعد سقوط الأسر الفرعونية، وقد شهدت مصر بعد ذلك عصر الشهداء الذي اضطهد فيه الرومان الأقباط المصريين لاختلاف مذهبهم عن المذهب الروماني المسيحي آنذاك. ونود التأكيد على أن الإسلام في تسامحه ضرب نموذجاً فريداً فقد ظلت مصر بعد الفتح الإسلامي لثلاثة قرون ذات أغلبية مسيحية، رغم أن الحكام كانوا مسلمين، بل إن أقباط مصر رحبوا بعمرو بن العاص وساعدوه على فتح مصر للخروج من اضطهاد الرومان، ولما سمعوه عن عدل الإسلام واحترامه واعترافه بالمسيحية واليهودية. بالطبع مصر ليست مجتمعاً مثالياً وليس جنة الله في الأرض، رغم ما يقال عنها من أوصاف بأنها أم الدنيا، وهو وصف ذو بعد تاريخي أطلقه عليها ابن خلدون، ورغم وصفها بأنها هبة النيل كما ذكر هيرودوت، ورغم وصفها بأنها كنانة الله في الأرض بمعنى بيت السيف أي بمدلول القوة، حيث ورد في وصية منسوبة للنبي الكريم إذا فتح الله عليكم مصر فخذوا منها جنداً فإنهم خير أجناد الأرض، وغير ذلك من الصفات الجميلة التي تعبر عن واقع تاريخي أو أمل مستقبلي. وعودة لنظام الجمهورية الثانية والرئيس محمد مرسي نقول؛ إن الشخص في مصر لا يستطيع مهما كانت قوته أو فكره أن يتناقض تناقضاً جوهرياً مع ركائز السياسة الثابتة ولا مع حكمة التاريخ ولا مع المؤسسات المهمة التي تعبر عن هذه الركائز في مصر، ويخطئ أي مسؤول مصري إذا سلك سلوكاً غير ذلك بعدم القبول، وربما الثورة عليه كما حدث في الثورة على مبارك رئيس الجمهورية، الذي عمل من أجل توريث ابنه أسوة بما حدث في جمهورية أخرى. لقد كان الرئيس الدكتور محمد مرسي حكيماً في خطابه في جامعة القاهرة عندما أكد على العديد من الثوابت المصرية، لكن من المهم في هذا السياق أمرين أولهما حديثه عن الأمن العربي وكونه أولوية من أولويات سياسته، وثانيهما أن مصر لا تسعى لتصدير الثورة ولا للتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة، وهي أيضاً ترفض تدخل أية دولة في شؤونها. واعتقد أن هذه هي الأسس الدائمة للسياسة الخارجية المصرية وأن هذين المبدأين يتكاملان ويتناغمان معاً؛ أي أمن مصر وارتباطه بالأمن العربي، وأمن الخليج العربي جزء لا يتجزأ منه، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة. ونتساءل هل عن فكر الإخوان المسلمين وكون إن لهم امتدادات في المنطقة العربية سوف يثير خلافات في ظل وصولهم للسلطة في مصر. أعتقد وأتمنى أن أكون مصيباً في تحليلي؛ إن ذلك لن يؤدي إلى تغير جوهري في سياسة مصر تجاه الخليج العربي، وإن أية مشاكل قد تثار من حين لآخر لا تختلف عن تلك التي كانت تثار في عهد النظام المصري السابق، وهي خلافات ومشاكل هامشية وليست جوهرية في إطار الأسرة الواحدة. لكن ثمة محظورين من وجهة نظري؛ وهي كيفية إدارة الخــــــــلاف بين الدول؛ هـــــل الإدارة بأسلــــــوب فرض وجهة نظر معينة أم إدارة الاختلاف بالقانون والثوابت المعروفة وبالحكمة وبالتوافق بين الأطراف. أما المحظور الثاني وهو منطق المبالغة والتخوف المبالغ فيه وهو يؤدي دائماً لإثارة الشكوك وطرح نظريات المؤامرة ونحو ذلك، ويعتبر ذلك منطقاً غير سليم في إدارة العلاقات بين الدول، خصوصاً إذا كانت هناك روابط ووشائج قوية مثل الدول العربية. ما نحتاجه في مصر وفي منطقة الخليج العربي هو النظرة المستقبلية غير الأنانية، فالتكامل العربي في الاقتصاد والأمن والسياسة والمواقف الدولية، تعني كما يحدث مع الدول الأوروبية أن يساعد القوي الضعيف، وأن يبادر من لديه ثروة لمساعدة المحتاج ليس مساعدة خيرية أو ضريبية أو نحو ذلك من المصطلحات، وإنما تعاون اقتصادي وتكامل اقتصادي في مجالات عديدة لمصلحة الأطراف كافة، إن مصر في التاريخ القديم والحديث اعتادت العطاء والمساعدة لأشقائها العرب، ومصر الآن في مرحلة تحول سياسي واقتصادي تحتاج للاستثمارات العربية ولتعزيز التجارة البينية العربية ولتكامل الأمن المصري والأمن الخليجي بوجه خاص، وبناء صناعة عسكرية عربية محورها مصر ودول الخليج العربية. إن نظرة على أوروبا المعاصرة وعلاقتها بعضها البعض، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة تسمح لنا بالإشارة إلى ثلاثة مبادئ أساسية هي: الأول مبدأ التكامل الاقتصادي والمساعدات الاقتصادية، كما هو حادث في مساندة الاتحاد الأوروبي -خاصة ألمانيا وفرنسا- لليونان وإسبانيا وغيرها. والثاني مبدأ المساندة والتكامل الأمني كما هو حادث في حلف الأطلنطي ومساندته لأوروبا وفي علاقة أمريكا بأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية في مشروع مارشال، والثالث هو مبدأ التنسيق السياسي تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وأقول إن هذه المبادئ تحدث عنها العرب في ميثاق جامعة لدول العربية واتفاقية الدفاع المشترك بشقيها العسكري والاقتصادي، كما تحدث عنها القادة العرب في القمم العربية ومن بينها القمة الاقتصادية الأولى التي عقدت في الكويت. إن المطلوب تفعيل هذه الاتفاقات والمبادئ التي تعزز علاقات الدول بعضها بعضاً والتركيز علي الجانب الممتلئ من كأس العلاقات المصرية الخليجية بدلاً من البحث عن السلبيات وجذورها التاريخية، إن العالم ينظر للمستقبل ويتحرك في إطار من تحول العالم إلى قرية صغيرة، واحترام سيادة الدول في إطار من التعاون في ظل العولمة التي أصبحت طاغية في كل ركن من أركان المعمورة، وعلى دول الخليج العربي في مجلس التعاون أن تكون مقدامة في هذا المجال، وعلينا كمثقفين وسياسيين وأكاديميين واقتصاديين أن نفكر بمنظور استراتيجي واسع الأفق يتماشى مع الحقائق الدولية المعاصرة وليس بمنظور ضيق ومحدود منحصر في التاريخ وفي أفكار إيديولوجية أو مذاهب دينية أو وطنية محدودة تجاوزها فكر العصر الذي يركز علي المصالح المشتركة والمتداخلة بين الدول والأقاليم خاصة ذات التراث المشترك مثل الدول العربية.