بات من الواضح أن هناك قوى في البحرين لا تريد أن يضع الوطن قدمه باتجاه بداية طريق الخروج من الأزمة، هذه القوى تأتي على رأسها جماعات التأزيم وما يعرف بالمعارضة، ويتبعهم بتفاوت المتعصبون من مختلف الأطراف والذين تكونت لديهم ردة فعل قاسية من الأحداث التي صاحبت الأزمة، لا أعني هنا عامة الناس لكن قيادات الشارع، فالعامة لا يلامون على ردة الفعل تلك لأن قساوة الأحداث كان لابد أن تنتج عنها ردة فعل قوية أيضا ومشحونة بكم كبير من العاطفة والألم والاستنكار والغضب.
لا يمكن أيضاً الشك أن جماعات التأزيم تنتهج سياسة إبقاء الصراع قائماً والبحث عن تصادم هنا أو هناك من خلال مواصلة التحشيد الذي قد يكون معنوياً أن تملأ النفوس وتشحن كل يوم بالمظلومية وعبارات تدعو لمزيد من الاحتقان وعدم إعطاء فرصة للتهدئة أو التجاوب مع محاولات الخروج من مستنقع الأزمة من خلال مبادرات قد تقوم بها الدولة أو الجماعات الأخرى المقابلة أو حتى شخصيات محسوبة على المعارضة نفسها!!
ولذلك أمثلة؛ فحين اعترفت الدولة باقتراف أخطاء وأعلنت عزمها القيام بلجنة مستقلة لتقصي الحقائق، حشدت قوى التأزيم كل جموعها وبدأت تشكك في اللجنة وتستبق نتائجها وتحرض على رفض توصياتها حتى قبل أن تطأ قدم أي من أعضائها أرض الوطن!!
كذلك حينما استضافت البحرين سباق الفورمولا1 فعبر النائب المستقيل د.جاسم حسين عن تأييده للسباق والفائدة الاقتصادية التي ستعود على البلاد من ورائه، لم يسلم من هجوم جماعات التأزيم المتربصة بأي صوت عقل أو موقف تهدئة حتى وإن خرج من شخص من المعارضة نفسها، وبالتالي فمن البديهي ألا يقبلوا هكذا خطوة من الأطراف المختلفة عنهم ممن يشكلون غالبية مكونات المجتمع، وطبعاً ستكون وسائل التطاول والتعدي والرفض أكبر وأكثر حدة، ولك أن تتأكد أنها ستتبع بكلمة صموووود ووجه باسم:، ولا أدري حقيقة لماذا يبتسم وهل يسخر من أتباعه الذين يصدقون كل ذلك دون إعطاء العقل فرصة للمراجعة أم يسخر من باقي المجتمع الذي أدخلوه في دوامة صراع طائفي مقيت ومفتعل!!
إلى جانب هذا التحشيد والشحن المعنوي المستمر، هناك أيضاً تحشيد ميداني يتمثل في المسيرات التي باتت تخرج بهدف الخروج ليس إلا، فوسط عدم وجود أي هدف واقعي تقدمه تلك الجماعات من خلال مسيراتها، أصبح وجودها فقط من قبل “باقون وصامدون ومتمسكون!!” والغريب أن تصل تلك المسيرات إلى عشرة في يوم واحد في بلد بحجم البحرين، فلا تحمل سوى رسالة تحدٍ للدولة واستفزاز للمجتمع، إذ لو كان وراءها هدف معين وجديد يراد إيصاله للسلطة لكان يمكن الخروج في مسيرة واحدة وفق الشروط المحددة والقانونية مع ضمان عدم تحولها إلى مظاهر تخريب وعنف كما جرت العادة بمبرر عدم القدرة على التحكم بكل الأعداد المشاركة!! فما بالك إذن بعشر مسيرات!! من سيتحكم بها ومن يضمن عدم تحولها إلى أعمال تخريب؟
كما إن المضحك حقيقة وغير منطقي ولا قانوني هذه البدعة الجديدة بإعلان تنظيم عشر مسيرات يتم تحديد أماكن ثمانية منها وتكون اثنتان مفاجئتين!! أين رأيتم ذلك سوى في البحرين؟! ففي كل مكان في الدنيا يجب تحديد أماكن المسيرات وأخذ التصاريح حتى تقوم قوى الأمن بمسؤولياتها وحتى يعلم الناس بمكانها ويتحاشونها، فتخيل أن تسير مع أهلك وفجأة تخرج عليك جماعات لتصرخ (سبرايز) مظاهرة!!
على الجانب الآخر نجد هناك بعضاً من نشطاء وقيادات (الموالاة أو الأغلبية) من يرفضون الخطوات التي تقوم بها الدولة من أجل حلحلة الأزمة والخروج منها ويحثون الشارع على عدم تقبلها، مما يصعّب من مهمة الدولة وقد لا يكون في مصلحة الوطن!! لأن ما جرى في فبراير ومارس 2011 وما تلاها إلى يومنا هذا كان ككرة ثلج تسقط من أعلى منحدر فتزداد كل لحظة حجماً وسرعة وتزداد معها ردات الفعل, لذلك كان من الصعب على الناس العاديين المسالمين بالفطرة من أبناء هذا الوطن أن يستوعبوها ويتحملوها دون أن تترك في نفوسهم جرحاً ورفضاً وربما مواقف متشنجة ومتعصبة أحياناً -على خلاف طبيعتهم- نتيجة هول الصدمة، وهنا يأتي دور القيادات الوطنية لأن تقود المجتمع وتسهل من عمل الدولة من خلال تعاطي سياسي مسؤول وبحس وطني يقرأ المتغيرات ويرجح الأولويات حسب الممكن والمتاح، إننا بذلك لا نطالبها أن تكون متقلبة الوجوه والمواقف تتشكل كالطين اللين فتفقد المصداقية والتأثير، لكننا أيضاً لا نريد منها أن تكون متصلبة المواقف كالفخار اليابس الذي إذا حاولت تغيير شكله انكسر!!
^ شريط إخباري..
نعود ونؤكد أن الخطوة الأولى للخروج من الأزمة يجب أن تخرج ممن افتعلها، هؤلاء الميكافيليون الذين برروا استخدام كل الوسائل للوصول لغاياتهم المرفوضة من الأغلبية، والتي مع الأسف جاءت على حساب وطن وشعب كان يضرب به المثل في المحبة والتآخي والتواصل، فأصبح اليوم يعيش منقسماً إلى مجتمعين يملؤهما حالة من التوجس والرفض وعدم الثقة بالآخر.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90