نحن لا نعيش في الجنة، ولسنا ملائكة، فالبحرين كغيرها من أقطار العالم تصيبها التصدعات الاجتماعية بأطيافها والأمراض بأنواعها، ولكننا نعيش في وطن نحلم بأن نكون سعداء جداً فيه، لسنا متساوين في عطاء السماء ولا في درجات الأرض، وكل من حصل على ما يبتغي تمنى المزيد والمزيد، ليس هناك حداً لتطلعات الإنسان، وطلباته بأنواعها غير محدودة الكم. ونحن في البحرين مع صغر مساحتها الجغرافية فمواردها أيضاً قليلة، وما تحصل عليه الدولة من العائدات المالية لا تكفي لنفقاتها، وبالرغم من ذلك فإن الدولة (قيادة وحكومة) تحاول أن تحقق طلبات مواطنيها بما تملك من الموارد والإمكانيات، في ذات الوقت تسعى بدون كلل إلى تنويع وزيادة مواردها ليتسنى لها تحقيق الأكثر من تطلعات وآمال مواطنيها.
الوقفة الأولى، كانت مع تداعيات مرض السكلر الذي يتزايد ضحاياه يوماً بعد آخر، فهو مرضٌ وراثي لكنه مرض قاتل لا يرحم، والدولة ليست لها في حدوثه إلا أنها تبذل جهداً كبيراً في معالجة مضاعفاته، وفي الحقيقة أن الجهود يجب أن تزداد والعناية بمرضى السكلر يجب أن تكون لا نهاية لها من أجل التخفيف من آلام المصابين والتقليل من تداعياته التي راح ضحيته في أسبوعين فقط ثلاثة من المرضى الشباب. بجانب دور الدولة يتطلب الأمر أيضاً وعياً اجتماعياً لدى الأسر، وذلك بالابتعاد عن الزواج العائلي القريب والذي ينتشر فيه هذا المرض، كما إن الفحص قبل الزواج يعمل على عدم انتقال هذا المرض من جسد إلى آخر، ومن الآباء والأمهات إلى الأبناء. فالأمر يحتاج إلى أكثر من إعطاء المسكنات المؤقتة لهذا المرض، فهو يحتاج إلى وضع خطة جادة لمعالجة آثار هذا المرض للتقليل من انتشاره، منها ــ منع الزواج لحاملي هذا المرض من بعضهما البعض، وجود عيادات خاصة في جميع المراكز الصحية بمحافظات مملكة البحرين بجانب عيادة صحية متنقلة تزور المصابين في منازلهم، تشييد مستشفى خاص لمرضى السكلر، تأسيس مشروعات تدعم مرضى السكلر، إنشاء مركز تأهيل مهني لتأهيل مرضى السكلر لبعض المهن والوظائف التي تتناسب وحالتهم الصحية. ومما يُخفف ألم وتداعيات هذا المرض الشرس وقفة حكومة مملكة البحرين بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء في اجتماع مجلس الوزراء مؤخراً في اهتمام الدولة وقيادتها السياسية بمرضى السكلر وتأسفه على ضحاياه التي آلمت الجميع، وهو موقف وطني وإنساني نبيل. وهو موقف نابع من قيمة المواطن لدى الدولة وبأنه عنصر خلاق ومساهم، وفقدانه تعني خسارة للوطن ولأهله.
الوقفة الثانية، قبل أن يهل هلال شهر رمضان المبارك وصلت إلى مملكة البحرين شحنة مريضة من الأبقار من دولة جيبوتي، وحتى بعد اكتشاف الحكومة لهذه الشحنة وبيعها في السوق ودخلت في بطون الكثير من المواطنين والمقيمين، وبعد محاسبة المسؤولين عنها، تبقى المسؤولية ثنائية بين الدولة وتجار اللحوم المستوردة من الخارج. فأحد المسؤولين في الإدارة المعنية أكد (صحة سلامة الإجراءات والسجلات الخاصة بخروج شحنة الأبقار من المحجر، وأنه لم يثبت إصابتها بالأمراض، وعدم وجود أي ضرر على المواطنين من تناول لحومها)، بينما مصدر آخر أكد (تورط مجموعة من الأشخاص في إدخال شحنة أبقار مصابة بأمراض مشابهة في عام 2011)! وقد ذكرت الجرائد (أنه قبل فترة تم جلب 700 تيس من الصومال مصابة بمرض الجدري)! أي أن شحنة أبقار 2012 ليست هي الشحنة المريضة الأولى التي تم إدخالها إلى البحرين!! وإذا صدقنا رواية المسؤول بوزارة شؤون البلديات والزراعة بأن أبقار جيبوتي الواردة إلى البحرين بتاريخ 17 أبريل 2012 وتم اكتشاف أمر مرضها في شهر يوليو 2012 (بعد أكثر من شهرين) هي سليمة وأنها اجتازت الفحص الطبي البيطري فذلك يعني أن هذه الأبقار قد مرضت في البحرين! حتى ولو كانت هناك وثائق صحية تؤكد صحة الأبقار وخلوها من الأمراض فأين ضمير تجار اللحوم المستوردة؟ ألا يوجد قانون رادع لمثل هؤلاء التجار؟ فهل يجوز تحقيق المكاسب التجارية على حساب صحة وحياة المواطنين والمقيمين على أرض البحرين؟ وكعادته الكريمة فقد وجه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء إلى (استمرار التحقيق في موضوع اللحوم المشتبه وجود مرض بها، والاستعانة بالخبرات الدولية المتخصصة كرأي محايد)، وهو توجه يؤكد حرص سموه على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين من خلال سلامة الأطعمة المستوردة من الخارج، وأن حكومة البلاد وقيادتها السياسية ستقف بالمرصاد لكل مَن يُريد الإساءة إلى صحة وسلامة أبناء البحرين والمقيمين على ترابها، وهذا الأمر نابع من اهتمام سموه بإنسانية الإنسان وصحته البدنية لكونه ابناً عزيزاً للوطن لا يمكن السكوت عما يُصيبه من مساوئ وأن الحفاظ عليه يعتبر من أولويات الحكومة.
الوقفة المأساوية الثالثة تمثلت في وجود مادة «السويكة» في البحرين ويستخدمها عدد من شباب البحرين كمادة مخدرة وهي عبارة عن أوراق يتم وضعها على (الحنك الأسفل) بعد لفها بمنديل صغير وأحياناً توضع مباشرة على الحنك وتترك في الفم لفترة من الزمن ثم يتم ابتلاعها أو لفظها خارج الفم، ويشعر المتعاطي بالتخدير في جسمه بعد ثواني قليلة. وتثبت الدراسات بأن السويكة من المواد الضارة بصحة الإنسان، ولا توجد لها مواصفات قياسية محددة تبين مواصفاتها وطبيعة تكوينها أو المواد الداخلة في تركيبها، كما أنها لا تخضع لأي بيان تجاري. إلا أنه مؤخراً تم الكشف عن مكونات السويكة التي هي عبارة عن (أوراق التبغ كمسحوق أصفر مائل إلى اللون الأخضر تم خلطها جيداً مع بعض المواد وبنسب مختلفة؛ كربونات الصوديوم 40%، رماد 48%، رمل 7%، أوراق تبغ 5%، ويضاف إليها السموم والمواد المسرطنة ومخلفات الإنسان والحيوانات). فهذه المادة المخدرة لها تأثير كيميائي على غشاء الفم وخاصة على بطانة الخد وأرضية الفم واللسان، وتسبب التهاب اللثة. فكيف دخلت هذه المادة إلى البحرين؟ أين رقابة الدولة على الواردات؟ وماذا عن اهتمام الدولة ورعايتها للشباب؟ كيف دخلت هذه المادة إلى البحرين؟