لماذا لم تعد المسلسلات الفكاهية تضحكنا من الأعماق؟ إن المتابع للأعمال الفنية “الكوميدية”، يجد أن الكم الأكبر منها بالكاد يستطيع انتزاع ابتسامةً واحدةً خجولةً من شفاهنا المتلهِّفة للقهقهة. ويُستثنى من ذلك برامج الكاميرا الخفيّة الأسترالية والكندية الصامتة التي تعتمد في الأساس على المقالب الخفيفة المسليّة، حيث يتم تعريف المشاهد بالمقلب المعّد سلفاً للجمهور، ثم يبدأ المخرج في اصطياد “الضحايا”، ووضعهم في مواقف مثيرة للضحك، ورصد ردود أفعالهم المرئية فقط، وذلك على خلفيّة أنغام موسيقية تتوافق مع طبيعة المشهد وتقلّباته، وتريح أعصاب المشاهدين. إن إحدى المشكلات المرتبطة بإضحاك الجمهور من خلال الفيلم أو المسلسل الأجنبي تتمثّل في اختلاف البيئة الثقافية التي يتم فيها تقديم المسلسل كليّاً عن بيئته الأصلية، وصعوبة استيعاب المشاهد للتعبيرات الاصطلاحية المستخدمة في الحوار التلفزيوني، وإيحاءاته العاطفية، ودلالاته المواربة، ناهيك عن ضعف اطلاعه على حيثيات الموقف المعروض. ففي مسلسل (فرندز) الشهير، نتابع حياة مجموعةً متآلفة من الأصدقاء الذين يعيشون سويةً في نيويورك، ويتبادلون تجاربهم الحياتية، وهمومهم اليومية الشخصية، وينتفعون من خبرة بعضهم البعض، ومع أن المواقف الكوميدية تكون مضحكةً بالفعل، شريطة استيعاب مضامينها الخفيّة، إلا أننا نجد أنفسنا في أغلب الأحيان في أجواءٍ من الارتباك والحيرة إزاءها، ونحاول مداراة ذلك بمجاراة الأحداث، واصطناع الابتسامة، مدفوعين بموجات “الضحك المبرمج سلفاً” في المسلسل. ويبدو لي بوجهٍ عامٍ، أن المواقف الدراميّة الكوميدية الناطقة تكاد تكون عصيّةً على النقل الأمين عبر الثقافات المختلفة، وذلك لاختلاف طبائع الشعوب، وعاداتهم، وتقاليدهم، وقيمهم، وربما هذا هو أحد أسباب إخفاق برامج “الكاميرا الخفيّة” المنقولة عبر بعض محطّات التلفزيون العربية في تحقيق هدفها الأساس بتسليّة المشاهدين؛ والسبب الآخر هو اختلاف أسلوب التفكير، وردود الأفعال، فالمشاركون الأجانب يمتلكون القدرة على كبت المشاعر، والتعامل مع المقالب بروحٍ رياضيةٍ، أما مقدِّمو البرامج الكوميدية العربية فيفتقر معظمهم إلى المهنية، وتعوزهم اللباقة في التعاطي مع الحدث، مما يؤدي إلى ردود أفعال غير إيجابية من قبل المشاركين فيها!