حين يذهب المواطن إلى سوق المنامة وضواحيها، فمن المؤكد أنه سيذهب إليها مضطراً لا سائحاً أو حتى زائراً لأهل أو أصدقاء، فعدم توافر مواقف للسيارات، يكفي سبباً منطقياً للعزوف عن زيارة المنامة.
أنا أحد أولئك المضطرين، لكن حين ذهبت إلى المنامة من أجل إنجاز مهمة في إحدى المؤسسات وجدت موقفاً لسيارتي. كان حلماً أشبه بالكنز، وحين أوقفتها بالقرب من موقف ممنوع جاءني أحد الآسيويين ممن يطلقون عليهم زوراً (فري فيزا) يتودد لي كي أعطيه الرخصة لتنظيف سيارتي، وبما أن سيارتي كانت نظيفة قلت له شكراً، وقبل أن أمضي في طريقي سألته سؤالاً بريئاً؛ هل هذا الموقف الذي أوقفت فيه سيارتي موقف ممنوع؟ فأجابني أنه موقف مسموح به.. شكرته على مساعدته لي ومضيت.
عدت بعد أقل من نصف ساعة، فوجدت مخالفة محررة على زجاجة سيارتي الجانبية، رغم أن وقوفي لم يكن مخالفاً بشهادة الفري فيزا.
بعد أيام جرتني الأقدار جراً إلى المنامة مرة أخرى لإتمام تلك المعاملة، فأوقفت سيارتي في أحد المواقف، وحين نزلت من السيارة رأيت رجل مرور مسن يجلس مع بائعي الفواكه يأكل الموز، وحين شاهدني خارج من سيارتي ضحك باسماً، فابتسمت له ابتسامة رقيقة ومضيت مكملاً طريقي.
رجعت بعد ساعة، وإذا بورقة المخالفة تحضن زجاج سيارتي مرة أخرى، فالرجل المسن أعطاني المخالفة واختفى، وحين سألت أحد الآسيويين من العمالة السائبة (وما أكثرهم) عن شرعية وقوفي، قال لي بأنني أوقفت سيارتي في مواقف سيارات الأجرة، فقلت له متى تحولت هذه المواقف العامة إلى مواقف لسيارات الأجرة فقط؟ فقال حدث هذا مؤخراً، لكنني تساءلت في نفسي لماذا لم يخبرني رجل المرور حين شاهدني أغادر سيارتي أن هذه المواقف خاصة بسيارات الأجرة؟ ولماذا ضحك في وجهي وحين مضيت في سبيلي حرر لي مخالفة؟.
ثلاث ملاحظات أحببت أن أوصلها من هاتين القصتين. الأولى هي أن ظاهرة العمالة السائبة التي تقدر بالآلآف في المنامة أصبحت جزءاً من مكونات المجتمع البحريني، ومن يأخذ جولة سريعة في المنامة، يكتشف أن تلك العمالة أقوى سيطرة على السوق والشوارع والناس، حتى من الحكومة نفسها وهذا الأمر المحزن يشعرنا، بأننا فقدنا السيطرة على هذه الشريحة المشبوهة من عمق الواقع، وها هي اليوم (تخيط وتبيط) ونحن لا نملك سوى التفرج!.
الملاحظة الثانية، هي الشهوة المرورية المفرطة في تحرير المخالفات سواء أكان الأمر يستحق المخالفة أو لا يستحق، وكأن ليس من واجب رجل المرور أن يوجه وينشر ثقافة وعي الطريق بين الناس قبل أن يكون شرطيا، وظيفته الرئيسة كما في البحرين جباية المال من السائقين. فنحن قلناها من قبل ألف مرة أن المخالفات المالية لا تصنع نظاماً ولا تصنع أناساً تحترم النظام، بل تصنع أناساً يتحايلون على القانون. المطلوب هو أن يحمل رجل المرور دفاتر إرشادات يوزعها على السائقين لا أن يحمل معه دفاتر للمخالفات فقط يقضي كل ساعات دوامه في مخالفة هذا وذاك. هذه العقلية يجب أن تتغير وتتطور، لنحصل على مواطن صالح ورجل مرور واعٍ وشارع خالٍ من المخالفات والتجاوزات.
الملاحظة الثالثة، يجب على الدولة أن تصنع وتخلق وتبتكر أفكاراً جديدة لمواقف السيارات في العاصمة المنامة، لأن من يريد قضاء حاجة ضرورية في المنامة، فإنه يتعرض لأشد أنواع البهدلة والمهانة، بسبب (هوشاته) للحصول على موقف لسياراته لا غير، أما الملاحقات العقابية بتحرير المخالفات المرورية كما ذكرت، فإنها أصبحت اليوم، جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل.
سألتُ الزميلة العزيزة زهراء حبيب عن محنتها اليومية حين تذهب الدبلوماسية لتغطية أخبار المحاكم، وكيفية حصولها على موقف لسيارتها كل يوم، أجابتني بأسى، أن مشقة الحصول على بارك أشد إيلاماً من الحصول على كل الأخبار.. لك الله يا زهراء.
{{ article.visit_count }}