يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك والكثير من الدول تعيش أوضاعاً غير مستقرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وهذا الرمضان الثاني يمر على أقطارنا العربية وهي تعيش تداعيات «الربيع العربي» ومازالت بعض أقطاره تعيش أحداثه. ونحن في البحرين أملنا كبير أن يكون شهر رمضان شهراً للعطاء والصفاء والنماء والشفاء.
شهر رمضان شهر للعطاء.. عطاء الذات أولاً إيماناً وتسليماً، عطاء للناس حُباً، عطاء للوطن تضحية وفداءً، فحبنا للبحرين يجب أن يبعدنا عن أذيتها وأذية شعبها، فيجب أن نشعل معاصينا لتتحول إلى رماد بدلاً من حرق بلادنا، أن ندمر خلافاتنا بدلاً من تدمير ممتلكات وطننا وشعبنا، أن نقرب بين قلوبنا ونبعد عنا أجندات أعدائنا، أن نعزز مكانة بلادنا ونسمو بها في سماء الأوطان لا أن نعرض كرامتها ونذلها ونقدمها هدية رخيصة لأعدائنا.
إن عطاءنا في شهر رمضان لا يجب أن يكون صياماً وقياماً فقط بل يجب أن يكون مناسبة لحفظ وطننا وتمتين الأواصر بين شعبنا وتوحيد قواه الوطنية والشعبية حتى يكون الوطن هو الأساس القوي المتين ليكون التشييد قوياً وقادراً على تحدي كل ظروف التعرية السياسية والاقتصادية. فالبحرين بقدر ما هي بحاجة إلى المؤمنين والحافظين لشعائرهم الدينية أيضاً هي بحاجة إلى المؤمنين الأقوياء المساندين لوطنهم، فالمؤمن القوي أحبُ عند الله من المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي هو الذي يستطيع أن يبني وطناً ويساند شعباً.
شهر رمضان شهر للصفاء.. في هذا الشهر الفضيل يكون التوجه الإيماني صافياً وصادقاً نحو الله أولاً وبقلب مؤمنٍ ثانياً ومُحباً لوطنه وقيادته وشعبه ثالثاً، فالبحرين بحاجة قبل أي شيء في هذه الأيام إلى صفاء النفوس واتحادها، ولا تستطيع النفس أن تتحد إلا بعد أن تكون نقية من الكراهية وصافية من الضغائن، يجب أن تكون نفساً تحب الآخرين أكثر من ذاتها، وأن تعطي الآخرين عطاءً ليس محدوداً.
إن أبناء البحرين جميعهم إخوة ولا فرق بين هذا وذاك إلا بحبه إلى بلاده وعشقه لها، فصفاء القلوب في هذا الشهر هو البند الأول من أجندة هذا الشهر الكريم وقبل أجندة الموائد وملذاتها، بل إن الصفاء هي المائدة الأُولى لهذا الشهر الكريم، فمن دون المحبة والنقاء يكون الإيمان خالياً من العطاء، ومع صفاء القلب ونقاء الصيام يتحقق الصفاء بجانب العطاء.
شهر رمضان شهر الشفاء.. لم يكن الصيام في السابق ديناً يُعتد به بل كان دواءً شافياً لكل الأمراض التي تصيب الإنسان، ونحن نتلذذ بعبادة خير شهور السنة علينا أن نتأمل فوائد الصيام الرائعة لنا. فالصيام أولاً يرفع النظام المناعي النفسي لدى الإنسان عندما يستقبل شهر رمضان بحالة نفسية مطمئنة وبشوق وتلهف، فيمر عليه الشهر خفيفاً لا يتمنى أن ينتهي، ثانياً أن الصيام يقتل الفيروسات ويطرد السموم من جسم الإنسان، ويخفف الأعباء عن أجهزة الجسد التي تستقبل الأطعمة طوال اليوم، ويجعل خلايا الجسم تعمل بكفاءة أعلى، وثالثاً أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الصوم هو أحد أهم علاج لمرض داء السكري وأمراض القلب وتصلب الشرايين وإلى خفض معدل حدوث بعض الأورام اللمفاوية ويؤخر الشيخوخة ويعالج الكثير من الأمراض الأخرى التي تصيب الإنسان.
كما إن الإنسان يحرص على أن يصوم جيداً عليه أيضاً ألا يسرف في تناول الأغذية الكثيرة، فالإنسان يأكل لأن يعيش، ويعيش لكي يؤدي واجبه ودوره في مجتمعه، أن يأكل من دون إسراف ولا تقتير. فمتى كان صيام الإنسان بهذه الصفة يصبح أكثر عطاءً وصفاءً وشفاءً.. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. وكل عام وجميعنا ووطننا بخير.