من أروع “البرودكاستات” التي وصلتني أمس على “الواتس آب” قصة جرت أحداثها بين مازن ووالدته أحكيها لكم بالتفصيل..بينما كانت منهمكة في الأعمال المنزلية والغسيل وقف ابنها مازن أمامها حاملاً ورقة يسلمها إياها، كان قد أعدها مسبقاً، أصحبها بطلب (20) ديناراً، جففت الأم يدها وأمسكت بالورقة وقرأت المكتوب: سعر تنظيف غرفتي لهذا الأسبوع = (7) دنانير، سعر ذهابي للسوق مكانك = ديناران، سعر اللعب مع أخي الصغير= ديناران، سعر مساعدتي لكِ في تنظيف البيت = ديناران، سعر حصولي على علامات ممتازة في المدرسة = 7 دنانير. المجموع = 20 ديناراً. ثم ذيلها بعبارة: “واعطوا الأجير أجره قبـل أن يجف عرقه”.نظرت الأم إلى ابنها مازن الواقف بجانبها، ابتسمت بحنان والتقطت قلماً وقلبت الورقة وكتبت: سعر تسعة أشهر حملتك بها في أحشائي = بلا مقابل، سعر الحليب الكامل الذي أرضعتك إياه عشرين شهراً = بلا مقابل، سعر تغيير ملابسك وتنظيفك لست سنوات = بلا مقابل، سعر كل الليالي التي سهرتها بجانبك في مرضك ومن أجل تطبيبك = بلا مقابل، سعر كل التعب والدموع التي سببتها لي طوال السنين = بلا مقابل، سعر كل الليالي التي شعـرت بها بالفزع لأجلك وللقلق الذي انتابني = بلا مقابل، سعر كل الألعاب والطعام والملابس إلى اليوم = بلا مقابل. يا ابني: حين تجمع كل هذا فإن سعر حبي لك = بلا مقابل.حين انتهى مازن من قراءة ما كتبته أمه غرقت عيناه بالدموع: ونظر لأمه قائلاً: “أمي سامحيني أحبك كثيراً”، ثم أخذ القلم وكتب بخط كبير: “دين لا يمكن رده”. (انتهت القصة) لو أسقطنا هذه القصة على واقعنا في مملكة البحرين، كم سنجد ممن رفعوا فاتورة الأزمة في وجه الحكومة مساومين على وقفتهم من أجل الوطن، تلك الوقفة التي كانت حمايةً لمصالحهم قبل كل شيء، وقبل أن تكون حمايةً للنظام. ومن أجل أن نكون أكثر وضوحاً، علينا لزاماً أن نجتمع في جلسة مكاشفة لنرى كم منا وقف من أجل الوطن باعتباره مواطناً فيه، وكم منا وقف من أجل النظام باعتباره موالياً إليه تقتاده الموالاة العمياء من أجل لا شيء سوى نيل رضى الحكومة وحسب. لنجد النتيجة في الثانية صفرية أو تكاد، فكل من وقف وقف من أجله هو ومن أجل عياله ومستقبله الذي لا يمكنه التطلع إليه بمعزل عن أرض وطنه.فإذا انفضت جلسة المكاشفة فليرى كل منا من يجب أن يرفع الفاتورة في وجه الحكومة ممن خدم مصالحها، فإن كان من هذا الصنف، فله الحق كل الحق أن يتقاضى أجره قبل جفاف عرقه، وبما أن العرق قد جفّ فقد استحق أن يكون في مصاف مستحقي الأجور مشفوعةً بتعويضات التأخير، وربما لمن لم يتقاض الحق الآثم في الانتقام العادل كيفما شاء.ومن يجد نفسه وقف للذود عن وطنه الذي منحه الكثير، وكان على مدى سنوات طوال أماً حنوناً جمعتنا بأحضانها نحن وآباءنا وعيالنا، وأعطانا دون مقابل حتماً سيعي معنى أن يرفع لافتة “دين لا يمكنني رده لوطني” في وجه العالم، لتكون رسالته (أنني أمس واليوم وغداً.. هنا لنصرة وطني والذود عنه)، لنكن جميعاً ممن يبذل الأرواح والدماء والمال والولد من أجل ثرى وطننا الطاهر، كما فعل الشهيد أحمد المريسي الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بجزالة ألفاظه وعبارته الشهيرة (فداج يالبحرين)، وكما فعل كثيرون غيره ممن أبوا أن يباعوا ويشتروا بالمال والمصلحة، وترفعوا عن التسلق على أكتاف المصائب واستغلال مطبات الوطن وأزماته لمصالح شخصية دنيئة.إننا هنا أمام موازنة حقيقية تكشف معادن البحرينيين وجواهرهم لتكون ثورة النصرة بمثابة بيضة القبان الفاصلة في حقيقة المواطنة على أرض هذا الوطن المعطاء، لتميط اللثام عن أول من استغل الوطن وخانه بطريق ملتوية أخرى.إن حديثنا عن الوطن يشدنا لعاطفة متبادلة بين الأم وأبنائها قبل أن يأخذنا لعلاقتنا بالله، وعندما نتحدث عن الأم فإنها تمنح بكل ما أوتيت من قوة بلا مقابل وبلا مطامع سوى أن ترى أبناءها في رفاه وسعادة قدر المستطاع، ولكنها في النهاية لا ترقى لمستوى الكمال، لذا فهي تصيب وتخطئ، وكذلك هو الوطن، قد يخطئ أحياناً ولكن كفاه أنه في بعض حين أحسن النية وإن أساء الأسلوب، أما أن نحب الوطن كالأم ونطالبه بكمال الإله، فهذا ما لا يعقل البتة ولله المثل الأعلى.فلنتذكر جميعاً، كم لهونا على أرض هذا الوطن صغاراً في أمن وأمان، وعافية وإحسان، تعلمنا، لعبنا، مرضنا وحصلنا على العلاج المناسب، حصل آباؤنا قبلنا على العلم والوظائف التي مكنتهم من أن يعيلونا وها نحن نفعل الشيء نفسه. فإذا ما تعرض وطننا للعدوان الآثم وهُدد من قبل ثلة من دعاة الثورة -بعقولهم الهمجية وعنفهم البربري- في أمنه، أليس حق علينا الوقوف في وجه من أراد به سوءاً والذود عنه ضماناً لاستمرار حياتنا كما كانت وأفضل على أرضه؟ متطلعين لجنة الخلد، فالجنة التي وضعت تحت أقدام الأمهات هي نفسها التي وضعت لشهداء الوطن وبذلة الأرواح في سبيله.كفانا منة.. وكفانا مطالبات باسم الشرفاء، فإن من الشرف ألا يمن أحدنا بأداء واجبه، ومن قام وفزع وناصر إنما أرضى ضميره وانتهى. وقبل أن ننظر لمواقف اتخذناها بضعة شهور بفخر وزهو، لا بد أن نتنبه لقوتنا التي بها حاربنا، وصوتنا الذي به صرخنا، ولعلمنا الذي به حاججنا، ولكل أدواتنا في النصرة، لنجد الوطن شريكاً وإيانا في كل هذا وأكثر، فإن استنفدنا بعضاً من جهودنا واستخدمنا قدراتنا وإمكانياتنا من أجله فإننا لم نبذل من أجله شيئاً مما نملك، بل بذلنا مما له حق فيه مما يملكه هو وقد تفضل به علينا لسنوات طوال.كن معطاءً ولا تكن متطلباً.. فمازال هناك الكثير لتعطيه وكثير لتأخذه من الإحسان إلى الإحسان فالأخذ والعطاء ليس بالمال وحده.