المتابع لخطب الجمعة الأسبوعية التي يقدمها عيسى قاسم عبر منبره الأسبوعي في الدراز يمكن أن يلاحظ التلميح الصريح الذي يحرص على إيصاله، وهو وجود العديد من المفاجآت المرتقبة خلال الفترة المقبلة، وهي مفاجآت يبدو -بحسب تصور قاسم- ستتجاوز تقديرات الخبراء والسياسيين، ولذلك قال في خطبة يوم الجمعة الموافق 28 سبتمبر الماضي: “للخبراء السياسيِّين وغيرهم تجاربهم ومطالعاتهم للأوضاع ودراساتهم العلميَّة والميدانيَّة وتتبُّعاتهم وتحليلاتهم وتوقُّعاتهم وتقديرٌ لنتائج الأوضاع والصِّراعات التي يمكن أنْ تنتهي إليها في الوقت القريب أو المتوسِّط مثلاً، لكن لا أحد من هؤلاء يعلم جازماً ما قد يحدث في هذا العالم غداً من مفاجآتٍ وأحداث بعيدةٍ كلّ البعد عن التوقُّعات وطبيعة مجاري الأمور تسبِّبُ تغيُّراتٍ هائلةٍ في واقع السياسة ومعادلاتها وحياة المجتمعات وموازين القوى بين عشيَّةٍ وضحاها سواءٌ في بقعةٍ محدودةٍ من الكرة الأرضيَّة أو في شرق الدنيا وغربها وبما يستوعب كلَّ الأقطار، فهناك تقديراتٌ وحساباتٌ موضوعيَّة وهناك مفآجآتٌ وأحداثٌ خارج الحساب للخبراء والمختصِّين وأهل النَّظر”.
ويضيف: “.. وكما يمكن أنْ تجري الأمور حسبما عليه تقديرات وحسابات الخبراء لصورةٍ قريبةٍ أو بعيدة من توقُّعاتهم يمكن أنْ تشهد تحوُّلاً ضخماً وبعداً شاسعاً عمَّا أدَّى إليه النَّظر التحليلي وعلى عكس ما هو المُتَوَقَّعُ بفعل مفاجأةٍ خارجةٍ عن كلِّ ما كان متصوَّراً للمحلِّلين”.
مثل هذا الأسلوب لا يستخدم إلا لغرضين، أحدهما تهديد الخصم؛ وهي الدولة البحرينية طبعاً، والثاني رفع سقف التوقعات بهدف استيعاب تطلعات الجماهير التي لم تجد نتائج ملموسة على أرض الواقع منذ أكثر من عام ونصف العام. وبالتالي يجب احتواء إحباطها دائماً لضمان استمرار السيطرة عليها.
شخصياً أميل إلى الأسلوب الأول الذي يعتمد على تهديد الدولة بمزيد من أعمال الإرهاب والعنف غير التقليدية، وهو ما يمكن ملاحظته منذ انتهاء جلسات جنيف خلال الشهر الماضي. حيث بدأت بزيادة أعداد المشاركين في الأعمال الإرهابية، وزيادة نطاقها الجغرافي.
لم تتوقف هذه الأعمال التي وصفها قاسم بأنها “مفاجأة”، بل امتدت لخلق بؤر الاستفزاز الأمني، كما هو الحال في تلك المحاولات لضرب المكون السني بالمكون الشيعي بتنفيذ أعمال إرهابية استفزازية في مناطق سنية، مثالها الحد والرفاع والمحرق ومناطق أخرى. لاحقاً تصاعدت مفاجأة قاسم لتكون سلسلة من العمليات الإرهابية المنظمة لمقيمين وعمال أجانب لا علاقة لهم بالسياسة، وبعدها تم استهداف المنشآت الرياضية لمباراة رياضية بالقنابل الحارقة (المولوتوف)، وأخيراً استهداف نوعي ضد رجال الأمن بحرق المدرعات ومواجهتها بأسلحة وأقنعة الغاز في عمل تنظيمي مدرب من الطراز الأول.
قد تكون هذه فعلاً مفاجأة عيسى قاسم، وقد لا تكون، وفي كلتا الحالتين لابد من التحرك لمواجهة تحريضه على العنف بضبط المنبر الديني الذي بات شعاراً أقرب منه حقيقة، وحماية الدولة من الأعمال الإرهابية التي تستنزف الأرواح والمنشآت والأموال.