تماماً كما رسخ “الربيع العربي” ستاً من الحقائق التي باتت شبه ثابتة اليوم في المجتمع العربي، كذلك ولد “الربيع” ذاته مجموعة أخرى من النتائج التي أصبحت اليوم تمارس دورها في الحياة السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وبحاجة إلى جهود جبارة مكثفة ولفترات طويلة قادمة من أجل إزالة آثارها السلبية، دع عنك استبدالها بتلك الإيجابية التي كان الكثيرون منا يظنها قادمة مع هبوب رياح ذلك الربيع.
أول تلك النتائج هي إعادة فتح أبواب المنطقة العربية أمام عودة النفوذ الخارجي بشقيه الإقليمي والدولي، وإضفاء الصبغة الشرعية على ذلك التغلغل التي اكتسب ألواناً جديدة لم تألفها المنطقة العربية من قبل. فالأمر مختلف في شكله عن ذلك الذي عهدناه أيام الغزوات الاستعمارية، ومغاير في جوهره عن ذلك التسلل المموه المصحوب بأسوأ أنواع النهب الاقتصادي، الذي واكب المرحلة التي أعقبت كنس الشكل التقليدي للاستعمار الغربي. فقد وجدنا القوى الأجنبية تدعى علانية من أجل تسهيل وشرعنة التغلغل الخارجي من قبل قوى محلية اختارت، وبمحض إرادتها، دعوة ذلك الأجنبي كي يسرع من خطوات حسم الأمور لصالحها في معاركها الداخلية.
الملفت هنا أن القوة الداعية ليست تلك التي في السلطة كما عهدنا تاريخياً، بل تلك الساعية للتغيير واستبدال النظام القائم. أشد صور دعوة الأجنبي وضوحاً للدلالة على ذلك التدخل الذي شهدناه في ليبيا أولاً وسوريا حالياً. من الضرورة بمكان هنا الابتعاد عن الفهم التسطيحي لهذه الظاهرة التي تقفز إلى نتيجة أخرى مؤداها أن القوى المحلية التي استنجدت بتلك العالمية أو الإقليمية هي مجرد أدوات في أيديها، أو تحكم العلاقات فيما بينها أطر استعمارية أو استخباراتية. التشخيص هنا يتحدث عن ارتباط وتقاطع في المصالح، من نمط جديد في المصالح، للتأثير في معادلة الصراع السياسي المحلي. ثاني تلك النتائج كانت تقزيم التيار السياسي المدني وتغويل نظيره الإسلامي، وأسطع الأمثلة على ذلك كان في تونس ومن بعده في مصر وغيرها من الدول. ليست النتيجة هذه وليدة الساعة التي هبت فيها رياح ذلك الربيع، فلا بد أنه جاء كمحصلة طبيعية بين تفاعل مجموعة من العناصر، البعض منها ذاتي والآخر موضوعي.
أما الذاتي فمصدره أن الصدامات التي سبقت المد التنظيمي للإسلام السياسي، والحديث هنا عن مراحل الستينيات حتى الثمانينيات، كانت في معظمها بين الأنظمة القائمة وذلك التيار المدني، الأمر الذي أدى إلى إضعاف هذا الأخير، وفي أحيان أخرى شل حركته، أما الموضوعي فهو ناتج عن ضعف انتشار التكوين الفكري المدني بمعناه العميق والمعاصر في صفوف المواطنين من سكان هذه المنطقة. حتى التحالفات قصيرة الأمد التي تمت بين الجهتين؛ القوى القابضة على مقاليد الحكم في تلك الفترة وفصائل العمل السياسي المدنية، كما شاهدنا فيما عرف باسم “الجبهة الوطنية” في العراق وسوريا أيام الحكم البعثي، كانت شكلية إلى حد بعيد، ولا تشجع نمو حركة فكرية أو سياسية تتبنى الفكر المدني المعاصر.
هذه النتيجة تعقد من عملية التحول نحو المجتمع المدني، وتطيل من عمر الفترة المتوقع لها أن تستغرقها. ما يشيع روح التشاؤم هو نزعة الإقصاء ونفي الآخر التي بتنا نلمسها في قوى الإسلام السياسي التي أمسكت بمقاليد الحكم، ونزعتها للاستئثار بالسلطة وإقصاء الأطراف الأخرى عنها، كما شاهدنا ذلك في مصر ومن قبلها تونس. يجري ذلك حتى بين فصائل الإسلام السياسي المختلفة في انتماءاتها.
ثالث تلك النتائج هي التشظي السياسي وما رافقه من انشطارات اجتماعية وتمزقات اقتصادية أفقية وعمودية خلال ذلك الربيع، وفي الفترة التي أعقبته، في البلدان التي أطيح فيها بالسلطات الحاكمة. تمظهر ذلك التشظي في أشكال مختلفة؛ ففي اليمن وليبيا أخذ صوراً عدة مختلفة، لكنها تجتمع على أداء عمل واحد هو التمزيق، الذي أخذ الصورة القبلية في بعض الأحيان والمناطقية في أحيان أخرى، دون استثناء تلك العقيدية والأيديولوجية. محصلة ذلك تنازع على القيادة في مرحلة الصراع، وتناحرات على اقتسام الغنائم بعد الفوز بالسلطة. حال كل ذلك دون التوصل إلى برنامج وطني حقيقي، باستثناء ما دون على أوراق أطلق عليها برامج العمل الوطني دون أن يلتزم بها، حتى أولئك الذين كتبوا ما جاء فيها واتفقوا حينهاعلى إنجازها.
خطورة المسألة هنا هي أن القوى المنتصرة لن يكون في وسعها، هذا في حال افتراض توفر الرغبة لديها، التأسيس لدولة مدنية معاصرة من جانب، وسيرها حتى وإن ادعت خلاف ذلك في طريق تمزيق أحشاء المجتمع إلى ما يشبه الدويلات التي لا يجمعها شيء أكثر من الأرض وقوانين غير ملزمة إلا لمن قرر التقيد بها طوعاً.
المحصلة النهائية لذلك هو دولة مدنية شكلاً، قبلية ومناطقية جوهراً، تساعد هي الأخرى على تشجيع القوى الأجنبية على التغلغل وإخضاع الجميع لمشروع هذه الأخيرة بعد أن تضرب عرض أي مشروع وطني آخر.
رابع تلك النتائج هو تراجع القضايا القومية المصيرية إلى الخلف، وتقدم تلك القطرية عوضاً عنها نحو الأمام. وليس أدل على ذلك من غياب أمور كثيرة تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، دع عنك الشق الفلسطيني منه، نظراً لانشغال كل قطر عربي بالمشكلات التي يعاني منها محلياً وسيطرتها على كل تفكيره، مما يضعف الاتجاه القومي، ويشل حركة القوى التي تدعو له.
كل ذلك شجع عدواً قومياً مثل الكيان الصهيوني على استثمار هذا الفراغ “القومي” إلى أبعد الحدود، فأمعن في تمرير مشروعاته التهويدية، خصوصاً تلك المتعلقة بالقدس الشريف، وإقامة المستوطنات، بل رأيناه أيضاً يضاعف من حضوره على خارطة الانتخابات الأمريكية مستغلاً ذلك الانشغال العربي بالقضايا القطرية الصغيرة بدلاً من الاهتمام بتلك المصيرية.
مرة أخرى هنا لا ينبغي فهم ذلك على أنه دعوة إلى إهمال الوطني أو استغلال القومي لتمييع المطالب الوطنية الملحة. المقصود هنا تفعيل تلك الموازنة الصحيحة المنتجة بين ما هو وطني لا ينبغي القفز فوقه وقومي من الجريمة بمكان التفريط فيه. ليس الصراع العربي الإسرائيلي سوى المثال الأوضح فيها، فهناك، على سبيل المثال لا الحصر، قضايا الجزر العربية التي ماتزال تحت نيران الاحتلال الإيراني.
خامس تلك النتائج هي العودة إلى عسكرة المنطقة من خلال صفقات السلاح الضخمة التي بلغت مئات المليارات من الدولارات، خصوصاً تلك التي جرى توقيعها مع الولايات المتحدة تحت مبررات واهية، تقوم على الترويج لأفكار ترتكز على تهويل الأخطار المحلية التي لا يمكن درؤها إلا من خلال استيراد تلك المعدات العسكرية باهظة الثمن، والتي ربما يصعب استخدامها لحسم صراعات محلية كتلك التي رافقت “الربيع العربي”، لكن الخوف منها أعطى مبررات التوقيع أو الإسراع في التوقيع على الكثير منها.
للمرة الثالثة نلفت إلى أن ما نتحدث عنه هو نتيجة، أكثر منه أي شيء آخر، لا ينبغي تحميل مسؤوليتها الكاملة للربيع العربي وحده.
أول تلك النتائج هي إعادة فتح أبواب المنطقة العربية أمام عودة النفوذ الخارجي بشقيه الإقليمي والدولي، وإضفاء الصبغة الشرعية على ذلك التغلغل التي اكتسب ألواناً جديدة لم تألفها المنطقة العربية من قبل. فالأمر مختلف في شكله عن ذلك الذي عهدناه أيام الغزوات الاستعمارية، ومغاير في جوهره عن ذلك التسلل المموه المصحوب بأسوأ أنواع النهب الاقتصادي، الذي واكب المرحلة التي أعقبت كنس الشكل التقليدي للاستعمار الغربي. فقد وجدنا القوى الأجنبية تدعى علانية من أجل تسهيل وشرعنة التغلغل الخارجي من قبل قوى محلية اختارت، وبمحض إرادتها، دعوة ذلك الأجنبي كي يسرع من خطوات حسم الأمور لصالحها في معاركها الداخلية.
الملفت هنا أن القوة الداعية ليست تلك التي في السلطة كما عهدنا تاريخياً، بل تلك الساعية للتغيير واستبدال النظام القائم. أشد صور دعوة الأجنبي وضوحاً للدلالة على ذلك التدخل الذي شهدناه في ليبيا أولاً وسوريا حالياً. من الضرورة بمكان هنا الابتعاد عن الفهم التسطيحي لهذه الظاهرة التي تقفز إلى نتيجة أخرى مؤداها أن القوى المحلية التي استنجدت بتلك العالمية أو الإقليمية هي مجرد أدوات في أيديها، أو تحكم العلاقات فيما بينها أطر استعمارية أو استخباراتية. التشخيص هنا يتحدث عن ارتباط وتقاطع في المصالح، من نمط جديد في المصالح، للتأثير في معادلة الصراع السياسي المحلي. ثاني تلك النتائج كانت تقزيم التيار السياسي المدني وتغويل نظيره الإسلامي، وأسطع الأمثلة على ذلك كان في تونس ومن بعده في مصر وغيرها من الدول. ليست النتيجة هذه وليدة الساعة التي هبت فيها رياح ذلك الربيع، فلا بد أنه جاء كمحصلة طبيعية بين تفاعل مجموعة من العناصر، البعض منها ذاتي والآخر موضوعي.
أما الذاتي فمصدره أن الصدامات التي سبقت المد التنظيمي للإسلام السياسي، والحديث هنا عن مراحل الستينيات حتى الثمانينيات، كانت في معظمها بين الأنظمة القائمة وذلك التيار المدني، الأمر الذي أدى إلى إضعاف هذا الأخير، وفي أحيان أخرى شل حركته، أما الموضوعي فهو ناتج عن ضعف انتشار التكوين الفكري المدني بمعناه العميق والمعاصر في صفوف المواطنين من سكان هذه المنطقة. حتى التحالفات قصيرة الأمد التي تمت بين الجهتين؛ القوى القابضة على مقاليد الحكم في تلك الفترة وفصائل العمل السياسي المدنية، كما شاهدنا فيما عرف باسم “الجبهة الوطنية” في العراق وسوريا أيام الحكم البعثي، كانت شكلية إلى حد بعيد، ولا تشجع نمو حركة فكرية أو سياسية تتبنى الفكر المدني المعاصر.
هذه النتيجة تعقد من عملية التحول نحو المجتمع المدني، وتطيل من عمر الفترة المتوقع لها أن تستغرقها. ما يشيع روح التشاؤم هو نزعة الإقصاء ونفي الآخر التي بتنا نلمسها في قوى الإسلام السياسي التي أمسكت بمقاليد الحكم، ونزعتها للاستئثار بالسلطة وإقصاء الأطراف الأخرى عنها، كما شاهدنا ذلك في مصر ومن قبلها تونس. يجري ذلك حتى بين فصائل الإسلام السياسي المختلفة في انتماءاتها.
ثالث تلك النتائج هي التشظي السياسي وما رافقه من انشطارات اجتماعية وتمزقات اقتصادية أفقية وعمودية خلال ذلك الربيع، وفي الفترة التي أعقبته، في البلدان التي أطيح فيها بالسلطات الحاكمة. تمظهر ذلك التشظي في أشكال مختلفة؛ ففي اليمن وليبيا أخذ صوراً عدة مختلفة، لكنها تجتمع على أداء عمل واحد هو التمزيق، الذي أخذ الصورة القبلية في بعض الأحيان والمناطقية في أحيان أخرى، دون استثناء تلك العقيدية والأيديولوجية. محصلة ذلك تنازع على القيادة في مرحلة الصراع، وتناحرات على اقتسام الغنائم بعد الفوز بالسلطة. حال كل ذلك دون التوصل إلى برنامج وطني حقيقي، باستثناء ما دون على أوراق أطلق عليها برامج العمل الوطني دون أن يلتزم بها، حتى أولئك الذين كتبوا ما جاء فيها واتفقوا حينهاعلى إنجازها.
خطورة المسألة هنا هي أن القوى المنتصرة لن يكون في وسعها، هذا في حال افتراض توفر الرغبة لديها، التأسيس لدولة مدنية معاصرة من جانب، وسيرها حتى وإن ادعت خلاف ذلك في طريق تمزيق أحشاء المجتمع إلى ما يشبه الدويلات التي لا يجمعها شيء أكثر من الأرض وقوانين غير ملزمة إلا لمن قرر التقيد بها طوعاً.
المحصلة النهائية لذلك هو دولة مدنية شكلاً، قبلية ومناطقية جوهراً، تساعد هي الأخرى على تشجيع القوى الأجنبية على التغلغل وإخضاع الجميع لمشروع هذه الأخيرة بعد أن تضرب عرض أي مشروع وطني آخر.
رابع تلك النتائج هو تراجع القضايا القومية المصيرية إلى الخلف، وتقدم تلك القطرية عوضاً عنها نحو الأمام. وليس أدل على ذلك من غياب أمور كثيرة تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، دع عنك الشق الفلسطيني منه، نظراً لانشغال كل قطر عربي بالمشكلات التي يعاني منها محلياً وسيطرتها على كل تفكيره، مما يضعف الاتجاه القومي، ويشل حركة القوى التي تدعو له.
كل ذلك شجع عدواً قومياً مثل الكيان الصهيوني على استثمار هذا الفراغ “القومي” إلى أبعد الحدود، فأمعن في تمرير مشروعاته التهويدية، خصوصاً تلك المتعلقة بالقدس الشريف، وإقامة المستوطنات، بل رأيناه أيضاً يضاعف من حضوره على خارطة الانتخابات الأمريكية مستغلاً ذلك الانشغال العربي بالقضايا القطرية الصغيرة بدلاً من الاهتمام بتلك المصيرية.
مرة أخرى هنا لا ينبغي فهم ذلك على أنه دعوة إلى إهمال الوطني أو استغلال القومي لتمييع المطالب الوطنية الملحة. المقصود هنا تفعيل تلك الموازنة الصحيحة المنتجة بين ما هو وطني لا ينبغي القفز فوقه وقومي من الجريمة بمكان التفريط فيه. ليس الصراع العربي الإسرائيلي سوى المثال الأوضح فيها، فهناك، على سبيل المثال لا الحصر، قضايا الجزر العربية التي ماتزال تحت نيران الاحتلال الإيراني.
خامس تلك النتائج هي العودة إلى عسكرة المنطقة من خلال صفقات السلاح الضخمة التي بلغت مئات المليارات من الدولارات، خصوصاً تلك التي جرى توقيعها مع الولايات المتحدة تحت مبررات واهية، تقوم على الترويج لأفكار ترتكز على تهويل الأخطار المحلية التي لا يمكن درؤها إلا من خلال استيراد تلك المعدات العسكرية باهظة الثمن، والتي ربما يصعب استخدامها لحسم صراعات محلية كتلك التي رافقت “الربيع العربي”، لكن الخوف منها أعطى مبررات التوقيع أو الإسراع في التوقيع على الكثير منها.
للمرة الثالثة نلفت إلى أن ما نتحدث عنه هو نتيجة، أكثر منه أي شيء آخر، لا ينبغي تحميل مسؤوليتها الكاملة للربيع العربي وحده.