«وين نروح يا جماعة، وين ما نطقها عوية، وما في أحد متضرر كثر المواطن؟!”، هذا قول أحد المواطنين -ومثله كثيرون- معلقاً على الوضع الحالي بمختلف تفاصيله.
الغريب أنه كيف يكون المواطن أكبر المتضررين في بلد يفترض أنه قائم على الحرية والعدالة والإنصاف ومحاربة الفساد ويعلن كل يوم بأن كل تحركاته تصب في خانة التنمية ومصلحة المواطن، وأن هذا الأخير -أي المواطن حتى لا تنسونه- هو محور كل شيء؟!
مشكلتنا أن الشعارات المرفوعة، والتصريحات الرنانة أكثر بكثير من واقع الأفعال على الأرض. الناس كانت تعيش على شعارات، واليوم ملت من ترديد هذه الشعارات وسماعها، إذ هي ظلت فقط شعارات، استغلها البعض ليحقق مصلحة ضيقة ولم يكن للمواطن معها موقع من الإعراب، فيما ظلت كثير منها “أحلام” و«طموحات” لا سقف زمني لتحقيقها. وطبعاً المواطن ينتظر حتى مل الانتظار منه!
المواطن البحريني طوال سنوات يتحدث بشكل يومي عن وضعه المعيشي، وعن تطلعاته لزيادة دخله وتحسين وضعه على سبيل المثال، يسمع ويقرأ الوعود ويتابع الشعارات التي تتكرر في كل محفل انتخابي ويقول: “لعلها تصيب هذه المرة”، لكن في النهاية هي الخيبة الدائمة، وإن كان من تحريك للوضع فإنه تحريك ضئيل لا يرتقي للطموح! نقول “الطموح” هنا، لأن كل الشعارات مقرونة دائماً بجملة “ما يحقق طموح المواطن”. هل بالفعل نعرف تماماً ما هو طموح المواطن؟! والله المواطن “وده” يتكلم عن طموحه، لكن يبدو أن “الحديث عن الطموح” أصبح جريمة اليوم!
المواطن البحريني ينشد العدالة والإنصاف، يريد أن ينقطع دابر الفساد في البلد، أن يتوقف “الهوامير” و«المتنفذين” عن ابتلاع خيرات البلد، وأن تتم محاسبة كل متجاوز للقانون ومتطاول على المال العام. أوجدت الدولة ديواناً للرقابة المالية يقدم تقريراً سنوياً “دسماً” يكشف فيه أوجه الفساد والتجاوزات، لكن في مقابل ذلك كم من مسؤول “كبير” تمت محاسبته، وكم حجم المبالغ التي تم استعادتها وإرجاعها إلى خزينة الدولة؟!
وزارة الداخلية أنشأت خطاً ساخناً ليتصل عليه الناس ليبلغوا عن حالات فساد، فكرة رائعة كانت في بداياتها وتحمس لها الناس، لكن الحماس وحده لا يكفي، ولا إعلان امتلاكنا لهذا الخط يحل مشكلة الفساد، إن لم تكن هناك محاسبة فاعلة وإجراءات تتخذ فحينها لا وزن ولا قيمة لهذه الشعارات. فقط نقول شخباركم مع الفساد؟!
المواطن البحريني يريد حلاً لمشكلة الإسكان، لكن ما يحصل لدينا اليوم أن المشكلة تتفاقم، وبعض الحلول التي تقدم تأتي على حساب المواطن بدلاً من أن تكون في صالحه. إلى جانب ذلك قرأنا قبل شهور عن توجيهات بشأن إلغاء شرط دمج راتب الزوج والزوجة، هلل الناس وفرحوا، لكن إلى اليوم لم يدخل الأمر حيز التنفيذ. الناس فقط تسأل المعنيين “عساكم ما نسيتوا بس؟!”.
مواطن يقول: “لماذا لا يتم صرف مبلغ رمزي للأطفال مثلما يحصل في بعض الدول؟! لماذا لا تقدم كوبونات شراء مجانية للعوائل الفقيرة بحيث يكفيها قوت عام كامل؟!”. المشكلة هنا بأن مواطنين يقولون هذا الكلام متناسين بأن علاوة الغلاء “المقرة” ستصل بسجالاتها قريباً إلى “محكمة لاهاي” حتى تصرف أخيراً للناس!
ريحوا المواطنين، فالناس ملت ووصلت لحالة لا تصدق فيها أي شعار يطلق من مسؤول أو نائب أو أي كان. صارت لا تكترث بالتصريحات اليومية وتقول “كلام جرائد” وكلام أناس يريدون “تخديرنا” بالوعود فقط!
حتى مساحة التعبير التي تمنح للمواطن تمضي للتقلص، فلا أجهزة الإعلام الرسمية أصبح لها “بارض” كما في السابق لسماع أنين ونواح المواطنين، بل الغلبة في الكلام للمسؤولين وغيرهم ممن باتت مصائر قضايا الناس بأيديهم وحسب أمزجتهم. هذا يحصل للأسف، ويكفينا خداعاً للنفس حينما نقول بأن المواطن له مطلق الحرية في الكلام. يبدو أن المعنيين أصابتهم حالة “ملل” من هذا المواطن الذي لا يشكر بل دائماً ما يشكو. هنا نقول للمواطن عليك بصبر أيوب، فمن يده في الماء ليس كمن يده في النار!
الآن النواب بدؤوا دور انعقاد جديد بعد إنهائهم لأطول إجازة مهنية في تاريخ وظائف البحرين. بدأ التسخين منذ الآن عبر التصريح في الجرائد بشأن ما سيشهده الدور القادم. فقط ننصح المواطن بألا يرفع سقف التوقعات، فما عجز عنه الجماعة خلال عشر سنوات كاملة من المستحيل أن يحققوه خلال دور واحد.
نعم المواطن هو “محور” كل شيء، بخلاف أن هذا المحور لا يستفيد من “تمحور” الأمور حوله بقدر ما يستفيد من يدغدغ مشاعره ويرفع الشعارات.
فقط ننصح المواطن بألا ينظر لدول الجوار حوله عملاً بالمثل القائل “من راقب الناس مات هماً”، لا نريد أحداً أن يموت “هماً”، في جانب آخر لا نريد أن تتعرض البحرين لأزمة بسبب نقص أدوية الاكتئاب والقهر.
يقولون لنا دائماً بأنكم كصحافة “نبض الشارع”، طيب هذا “نبض” الناس، تلاحقوا عليهم قبل أن يقف النبض!