أمران ينبغي التركيز عليهما في هذه الفترة من عمر الوطن؛ الأول هو الاتفاق على أن كل ما حدث منذ 14 فبراير 2011 إلى اليوم إنما أريد منه الإصلاح وتحقيق مكاسب للمواطنين كافة تساعد على الارتقاء بحياتهم، وبالتالي التوقف عن ترديد شعار إسقاط النظام، والثاني هو الاتفاق على التهدئة تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الجديدة التي ستأخذنا إلى حيث الحياة الخالية من الكدر.
أما الأمر الأول فهو بيد الجمعيات السياسية التي ينبغي عليها أن تتسلم قيادة الشارع من جديد وتفرض نفسها وشخصيتها وتضع حداً للانفلات الذي يقوده شباب متحمس يفتقد طريقة التعبير الصحيحة عن حبه لوطنه وتنقصه الخبرة في مجال العمل السياسي، فالمنتمون إلى الجمعيات السياسية وخصوصاً الليبرالية منها لديهم من الخبرة والمعرفة ما لا يتوفرلأولئك الشباب ومروا بتجارب تعلموا منها الكثير وصاروا أقرب إلى الواقع، الأمر الذي يتيح لهم فرصة أكبر لتقييم الأمور واتخاذ القرارات الأقرب إلى الصحة، دون أن يعني هذا خلو الجمعيات السياسية الأخرى من عناصر مؤهلة للدخول في هذا الطريق.
هذا يعني أنه بات من المهم أن يوقف هؤلاء أولئك ويتسلموا منهم القيادة، وأن يكونوا هم من يصنع قرار الشارع فيحسموا الأمر ويقولوا إن المراد هو الإصلاح الذي يريده الجميع وليس الإسقاط الذي هو واقعياً غير ممكن وغير مطلوب من الغالبية. بات عليهم أن يقولوا إن هناك أخطاء تحتاج إلى إصلاح وأن الإصلاح أمر ممكن ولا تنكره الحكومة التي هي نفسها تريد الأمر نفسه لتتجاوز أخطاءها وتتمكن من تحقيق أهدافها في الارتقاء بحياة المواطنين.
مسألة حسم المراد من هذا الذي يحدث مسألة أساسية، من دونها لا يمكن التوصل إلى أي شيء. لا بد من القول إن الهدف هو إصلاح ما قد يكون معوجاً وتصحيح الأخطاء، ولا بد من القول إن مسألة إسقاط النظام غير واردة، فمن دون هذا لا يمكن الولوج إلى الخطوة التالية. القول بإسقاط النظام يعني أن تكسرني أو أكسرك، ولا توجد سلطة في العالم تقبل على نفسها السقوط ولا يوجد سلطة في العالم تقبل بتسليم القيادة للآخر مهما كانت الظروف، وبما أن الواقع يقول إن مسألة إسقاط النظام في البحرين أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع لذا صار لا بد من حسم الأمر والقول إن المراد والمطلوب هو الإصلاح الذي لا يختلف عليه أحد، وبالتالي صار لزاماً على الجمعيات السياسية أن تتسلم الشارع من جديد وألا تسمح لمجموعة من الشباب بالتحكم فيها وقيادتها وقيادة الشارع.
أما الأمر الثاني فلا بد منه أيضاً إن أردنا الانتقال إلى المرحلة الجديدة التي يمكن أن تأخذنا إلى حيث الحل النهائي، فمن دون أن نهدأ لا يمكن أن نفكر ولا يمكن أن نتفق على أي شيء. الهدوء وحده هو ما يمكن أن يساعدنا على التفكير السليم، والهدوء وحده الذي يمكن أن يوصلنا إلى تلك المرحلة التي لا بد أن نصل إليها وإلا بقينا ندور في حلقة مفرغة. وبالتأكيد فإن الهدوء المقصود هنا هو هدوء الجميع ، أولئك الذين يقودون الشارع ويحركونه وبيدهم أن يحدثوا الفوضى، والحكومة وخصوصاً وزارة الداخلية التي هي في الواجهة وتتعامل مع أي تحركات تعتبرها خارجة على القانون.
على الجميع أن يهدأ ويعطي نفسه والآخرين الفرصة للتفكير السليم، وهذا يعني أن على الجميع أن يتفقوا أولاً على أن عدم القبول بالتهدئة يعني تعريض الوطن للمزيد من المخاطر، أي أن على مختلف الأطراف أن ينظروا إلى مصلحة الوطن قبل أن ينظروا إلى مكاسبهم، فخسارة الوطن خسارة للجميع.