في مستهل جولته الخليجية؛ وصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يوم الإثنين الماضي نوفمبر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وتهدف الزيارة، كما أكدت جميع المصادر ومن بينها السفارة البريطانية في الإمارات، إلى «تعزيز فرص بيع دول الخليج مقاتلات تايفون يوروفايتر وإجراء محادثات حول الأزمات الإقليمية».
وربما كان في تناول طعام الفطور مع القوات البريطانية التي مقرها قاعدة عسكرية في الإمارات إشارة واضحة إلى أن طابع الزيارة سيكون عسكرياً وليس مدنياً كما قد يتوهم البعض. وطالما أنه ليس هناك من موضوع عسكري مشترك بين الطرفين يستحق عناء الزيارة سوى صفقات السلاح، فمن المتوقع أن يركز كاميرون جهوده على نيل أكبر حصة من كعكعة التسلح الخليجي، والتي يعلم أنها كبيرة، من خلال «الترويج للصناعات الدفاعية البريطانية أمام القادة الخليجيين، خصوصاً الترويج لمقاتلة يوروفايتر تايفون». وقد أبدت الإمارات «اهتمامها لشراء 60 مقاتلة يوروفايتر تايفون لاستبدال مقاتلات رافال الفرنسية المتقادمة التي تملكها». كما أعربت السعودية، وهي المحطة الثانية في الجولة «الكاميرونية»، عن رغبتها في النظر في «التقدم بطلبية مهمة جديدة تضاف إلى صفقة الـ72 طائرة تايفون التي أبرمتها الرياض». ولم تكن سلطنة عمان بعيدة عن تلك الصفقات؛ فهي بدورها عبرت عن «اهتمامها بشراء 12 مقاتلة» بحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني.
الصحافة البريطانية وهي في غمرة متابعاتها لسير انتخابات الرئاسة الأمريكية لم تستطع أن تتغاضى عن «الجولة الكاميرونية»، فوجدناها تفرد مساحات خاصة لتغطية تلك الجولة، حيث خصصت صحيفة الغاريدان مساحة مميزة من صفحتها الأولى للحديث عن الزيارة «أتبعتها بمناقشات تفصيلية في صفحاتها الداخلية. ووضعت الصحيفة عنواناً لهذه التغطية في صفحتها الأولى يقول (كاميرون يتوجه إلى الخليج في عرض لبيع طائرات تايفون المقاتلة)».
بعيداً عن قعقعة السلاح لا بد أن تكون للزيارة أهداف أخرى مزج فيها كاميرون بين السياسي والاقتصادي. فعلى المستوى السياسي، وكما تناقلت العديد من المواقع الإلكترونية ما كتبه محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان أيان بلاك في مقال تفصيلي أشار فيه إلى «أن هذه الزيارة المهمة تهدف إلى تهدئة العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما شريك تجاري حيوي لبريطانيا، بعد خلافات نجمت عن التحولات التي تعيشها المنطقة في الربيع العربي والمخاوف من تنامي قوة الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط».
أكثر من ذلك، وفي الإطار السياسي أيضاً، هناك «الامتعاض» الخليجي من المواقف السياسية الصادرة عن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، والتي لم تكن من وجهة النظر الخليجية الرسمية «موضوعية، بل كانت مضللة (بفتح اللام)»، الأمر الذي قاد إلى توتر العلاقة مع من وصفهم كاميرون بالشركاء الاستراتيجيين، قاصداً دول مجلس التعاون الخليجي.
واستكمالاً للملف السياسي؛ هناك أيضاً الموضوع الإيراني والذي تحاول بريطانيا كما يبدو مما رشح من معلومات حول المحادثات التي تناولتها الزيارة، تجييره بما يخدم مصالحها المحضة بغض النظر عن المصالح الخليجية، وهو ما ركز عليه كاميرون في لقائه مع مجموعة من الطلبة الجامعيين في أبوظبي عندما أكد لهم «ضرورة الإبقاء على العقوبات ضد إيران، وأنه مع كل العنف والدمار الذي يحصل في سوريا، من الواضح أن بشار الأسد لا يمكن أن يبقى في السلطة.. عليه أن يرحل».
أما على المستوى الاقتصادي؛ نعود من جديد إلى قضايا النفط والغاز، فحسبما أوردت «الغارديان» البريطانية هناك «الصعوبات المفاجئة حول تجديد امتياز شركة (بريتش بتروليم) النفطية في دبي». وفي النطاق الاقتصادي أيضاً يحاول كاميرون أن يخفف من وقع الضرر الذي، كما تقول «الغارديان»، نجم عن «الضربة الموجعة التي تلقاها قطاع الصناعة الدفاعية في بريطانيا، الذي تبلغ قيمة صادراته 5.4 مليارات جنيه إسترليني سنوياً ويوظف 54 ألف شخص، مع انهيار مشروع الاتحاد بين (بي ايه اي سيستمز) والعملاق الأوروبي (اي ايه دي اس)».
من جانب آخر نوهت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في مقال نشره موقع «ياهو» قبل شهرين إلى العلاقة بين «التدهور الاقتصادي العالمي خلال السنوات الأخيرة» والتراجع الملحوظ «في مبيعات الأسلحة»، لكنها تستدرك فتشير إلى «أن التوتر مع إيران دفع بدول الخليج -السعودية والإمارات وسلطنة عمان- لشراء أسلحة أمريكية بأرقام قياسية، موضحة أن تلك الدول ليس لها حدود مشتركة مع إيران، وأن معظم وارداتها من الأسلحة ترتكز على الطائرات الحربية باهظة الثمن وأنظمة الصواريخ الدفاعية المعقدة».
وأوردت الصحيفة بعض الإحصاءات، حيث «تضمنت مبيعات الأسلحة للسعودية خلال العام 2011 أيضاً عشرات من مروحيات الأباتشي ومروحيات بلاك هوك، كل هذه الصفقات جعلت قيمة الصفقات الأمريكية للسعودية تبلغ 4.33 مليار دولار، كما قامت الإمارات العربية المتحدة بشراء منصات منظومات صواريخ دفاعية متطورة للتصدي لهجمات الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة وأعلى من المتوسطة، بما في ذلك الرادارات وبلغت قيمة تلك الصفقات 3.49 مليار دولار، إضافة إلى 16 مروحية تشينوك بقيمة 939 مليون دولار».
لقد فشلت جميع الأصباغ التجميلية التي حاولت أن تزين وجه جولة المسؤول البريطاني وأن تموه المقاصد الحقيقية الكامنة وراءها، فكل المؤشرات تؤكد أن ما يرمي له كاميرون في اختصار شديد؛ هو رأب الصدع السياسي الناجم عن محاولات الإنجليز التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية، تحكمهم في ذلك عنجهية تاريخية متوارثة من الذهنية الاستعمارية التي ماتزال الدوائر البريطانية الرسمية غير قادرة على التخلص منها، يترافق ذلك مع محاولة إشراك الخليجيين في إنقاذ الاقتصاد البريطاني المنهك بالأزمة الاقتصادية والتي لم يتعاف منها بعد، رغم محاولات «داوننغ ستريت» المتواصلة للخروج بحل استراتيجي لها. يتناغم ذلك مع إصرار بريطاني شديد على الاستحواذ على أكبر قسم ممكن من كعكعة السيول النقدية الخليجية الناجمة عن الثروات النفطية، وليس هناك أفضل من قناة التسليح لاستنزافها، فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار قطعه، هناك أيضاً ما تضيفه إلى فواتيرها أجرة بناء وصيانة المقومات الدفاعية القائمة على تلك الأسلحة، والتي تفوق في كلفتها بمئات المرات قيمة الأسلحة ذاتها.
لقد قال كاميرون كلمته، وأرسل رسالته واضحة جلية، وهو من حقه أن يقوم بذلك، لكن الأهم مما جاء في تلك الرسالة هو الرد الخليجي؛ فهل سيأتي سخياً كالعادة ويقتصر على تسديد فواتير أسلحة ربما يكون البعض منها متقادماً والبعض الآخر لا تمتلك الدولة الخليجية القدرة على استخدامه؟ أم سنشاهد رداً مختلفاً يترافق مع فاتورة سياسية خليجية مطالبة لندن بتسديدها إن هي أرادت كما تدعي أن تكون العلاقة المستقبلية قائمة على مبدأ «الشراكة الاستراتيجية»؟
النفط والسلاح يمكن أن يكونا نزيفاً مستمراً في جسد الدول الخليجية، وبالقدر ذاته بوسعهما، متى ما أحسن استخدامهما، أن يكونا عنصرين قويين يسهمان في تعزيز الحضور الخليجي، بل ربما العربي في فضاء العلاقات الاستراتيجية الدولية.
{{ article.visit_count }}
وربما كان في تناول طعام الفطور مع القوات البريطانية التي مقرها قاعدة عسكرية في الإمارات إشارة واضحة إلى أن طابع الزيارة سيكون عسكرياً وليس مدنياً كما قد يتوهم البعض. وطالما أنه ليس هناك من موضوع عسكري مشترك بين الطرفين يستحق عناء الزيارة سوى صفقات السلاح، فمن المتوقع أن يركز كاميرون جهوده على نيل أكبر حصة من كعكعة التسلح الخليجي، والتي يعلم أنها كبيرة، من خلال «الترويج للصناعات الدفاعية البريطانية أمام القادة الخليجيين، خصوصاً الترويج لمقاتلة يوروفايتر تايفون». وقد أبدت الإمارات «اهتمامها لشراء 60 مقاتلة يوروفايتر تايفون لاستبدال مقاتلات رافال الفرنسية المتقادمة التي تملكها». كما أعربت السعودية، وهي المحطة الثانية في الجولة «الكاميرونية»، عن رغبتها في النظر في «التقدم بطلبية مهمة جديدة تضاف إلى صفقة الـ72 طائرة تايفون التي أبرمتها الرياض». ولم تكن سلطنة عمان بعيدة عن تلك الصفقات؛ فهي بدورها عبرت عن «اهتمامها بشراء 12 مقاتلة» بحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني.
الصحافة البريطانية وهي في غمرة متابعاتها لسير انتخابات الرئاسة الأمريكية لم تستطع أن تتغاضى عن «الجولة الكاميرونية»، فوجدناها تفرد مساحات خاصة لتغطية تلك الجولة، حيث خصصت صحيفة الغاريدان مساحة مميزة من صفحتها الأولى للحديث عن الزيارة «أتبعتها بمناقشات تفصيلية في صفحاتها الداخلية. ووضعت الصحيفة عنواناً لهذه التغطية في صفحتها الأولى يقول (كاميرون يتوجه إلى الخليج في عرض لبيع طائرات تايفون المقاتلة)».
بعيداً عن قعقعة السلاح لا بد أن تكون للزيارة أهداف أخرى مزج فيها كاميرون بين السياسي والاقتصادي. فعلى المستوى السياسي، وكما تناقلت العديد من المواقع الإلكترونية ما كتبه محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان أيان بلاك في مقال تفصيلي أشار فيه إلى «أن هذه الزيارة المهمة تهدف إلى تهدئة العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما شريك تجاري حيوي لبريطانيا، بعد خلافات نجمت عن التحولات التي تعيشها المنطقة في الربيع العربي والمخاوف من تنامي قوة الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط».
أكثر من ذلك، وفي الإطار السياسي أيضاً، هناك «الامتعاض» الخليجي من المواقف السياسية الصادرة عن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، والتي لم تكن من وجهة النظر الخليجية الرسمية «موضوعية، بل كانت مضللة (بفتح اللام)»، الأمر الذي قاد إلى توتر العلاقة مع من وصفهم كاميرون بالشركاء الاستراتيجيين، قاصداً دول مجلس التعاون الخليجي.
واستكمالاً للملف السياسي؛ هناك أيضاً الموضوع الإيراني والذي تحاول بريطانيا كما يبدو مما رشح من معلومات حول المحادثات التي تناولتها الزيارة، تجييره بما يخدم مصالحها المحضة بغض النظر عن المصالح الخليجية، وهو ما ركز عليه كاميرون في لقائه مع مجموعة من الطلبة الجامعيين في أبوظبي عندما أكد لهم «ضرورة الإبقاء على العقوبات ضد إيران، وأنه مع كل العنف والدمار الذي يحصل في سوريا، من الواضح أن بشار الأسد لا يمكن أن يبقى في السلطة.. عليه أن يرحل».
أما على المستوى الاقتصادي؛ نعود من جديد إلى قضايا النفط والغاز، فحسبما أوردت «الغارديان» البريطانية هناك «الصعوبات المفاجئة حول تجديد امتياز شركة (بريتش بتروليم) النفطية في دبي». وفي النطاق الاقتصادي أيضاً يحاول كاميرون أن يخفف من وقع الضرر الذي، كما تقول «الغارديان»، نجم عن «الضربة الموجعة التي تلقاها قطاع الصناعة الدفاعية في بريطانيا، الذي تبلغ قيمة صادراته 5.4 مليارات جنيه إسترليني سنوياً ويوظف 54 ألف شخص، مع انهيار مشروع الاتحاد بين (بي ايه اي سيستمز) والعملاق الأوروبي (اي ايه دي اس)».
من جانب آخر نوهت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في مقال نشره موقع «ياهو» قبل شهرين إلى العلاقة بين «التدهور الاقتصادي العالمي خلال السنوات الأخيرة» والتراجع الملحوظ «في مبيعات الأسلحة»، لكنها تستدرك فتشير إلى «أن التوتر مع إيران دفع بدول الخليج -السعودية والإمارات وسلطنة عمان- لشراء أسلحة أمريكية بأرقام قياسية، موضحة أن تلك الدول ليس لها حدود مشتركة مع إيران، وأن معظم وارداتها من الأسلحة ترتكز على الطائرات الحربية باهظة الثمن وأنظمة الصواريخ الدفاعية المعقدة».
وأوردت الصحيفة بعض الإحصاءات، حيث «تضمنت مبيعات الأسلحة للسعودية خلال العام 2011 أيضاً عشرات من مروحيات الأباتشي ومروحيات بلاك هوك، كل هذه الصفقات جعلت قيمة الصفقات الأمريكية للسعودية تبلغ 4.33 مليار دولار، كما قامت الإمارات العربية المتحدة بشراء منصات منظومات صواريخ دفاعية متطورة للتصدي لهجمات الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة وأعلى من المتوسطة، بما في ذلك الرادارات وبلغت قيمة تلك الصفقات 3.49 مليار دولار، إضافة إلى 16 مروحية تشينوك بقيمة 939 مليون دولار».
لقد فشلت جميع الأصباغ التجميلية التي حاولت أن تزين وجه جولة المسؤول البريطاني وأن تموه المقاصد الحقيقية الكامنة وراءها، فكل المؤشرات تؤكد أن ما يرمي له كاميرون في اختصار شديد؛ هو رأب الصدع السياسي الناجم عن محاولات الإنجليز التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية، تحكمهم في ذلك عنجهية تاريخية متوارثة من الذهنية الاستعمارية التي ماتزال الدوائر البريطانية الرسمية غير قادرة على التخلص منها، يترافق ذلك مع محاولة إشراك الخليجيين في إنقاذ الاقتصاد البريطاني المنهك بالأزمة الاقتصادية والتي لم يتعاف منها بعد، رغم محاولات «داوننغ ستريت» المتواصلة للخروج بحل استراتيجي لها. يتناغم ذلك مع إصرار بريطاني شديد على الاستحواذ على أكبر قسم ممكن من كعكعة السيول النقدية الخليجية الناجمة عن الثروات النفطية، وليس هناك أفضل من قناة التسليح لاستنزافها، فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار قطعه، هناك أيضاً ما تضيفه إلى فواتيرها أجرة بناء وصيانة المقومات الدفاعية القائمة على تلك الأسلحة، والتي تفوق في كلفتها بمئات المرات قيمة الأسلحة ذاتها.
لقد قال كاميرون كلمته، وأرسل رسالته واضحة جلية، وهو من حقه أن يقوم بذلك، لكن الأهم مما جاء في تلك الرسالة هو الرد الخليجي؛ فهل سيأتي سخياً كالعادة ويقتصر على تسديد فواتير أسلحة ربما يكون البعض منها متقادماً والبعض الآخر لا تمتلك الدولة الخليجية القدرة على استخدامه؟ أم سنشاهد رداً مختلفاً يترافق مع فاتورة سياسية خليجية مطالبة لندن بتسديدها إن هي أرادت كما تدعي أن تكون العلاقة المستقبلية قائمة على مبدأ «الشراكة الاستراتيجية»؟
النفط والسلاح يمكن أن يكونا نزيفاً مستمراً في جسد الدول الخليجية، وبالقدر ذاته بوسعهما، متى ما أحسن استخدامهما، أن يكونا عنصرين قويين يسهمان في تعزيز الحضور الخليجي، بل ربما العربي في فضاء العلاقات الاستراتيجية الدولية.