لسان حال كثير من المخلصين لهذا البلد يقول باختصار شديد إن الدولة لا تستمع لمطالبهم، ولا تلتفت لهم، بل لا تلقي بالاً لما يقولونه، وهو قول يقرن بإجراءات الدولة بشأن ما يعتبره المخلصون اليوم أولوية قصوى بالنسبة لهم تأتي على حساب كثير من الأمور الأساسية، ونعني به إجراءات الدولة بشأن التعامل مع قوى التأزيم وممارسات الإرهاب وتجاوز القانون.
يقول مواطن بسيط: “الظاهر الدولة سمعها ثقيل، عندما تصل المسألة للاستماع إلى صرخاتنا ومطالبنا وهتافاتنا بشأن تطبيق القانون ووقف الإرهاب”. بينما آخر يقول: “من يخرب البلد ويحرقها، ومن يشتم رموزها ويحرض عليهم ويدعو لقتل رجال أمنها ويشوه صورتها في الخارج، هم من تتراكض الدولة باتجاههم لإدخالهم في حوارات وتفاهمات، وهم من لا يطالهم القانون حتى لو ارتكبوا الجرائم تلو الأخرى”.
الواقع المنظور يقول بكل وضوح إن صوت الشارع المخلص علا وارتفع منذ بدأت الأزمة، منذ أن أحس بالتهديد يطال البحرين كلها قيادة وشعباً، وهذا الصوت مازال أفراده يرددون نفس المطالب التي هي في الأساس حقوق لهم وواجبات على الدولة على رأسها توفير الأمن وحماية الناس من الإرهاب ومحاسبة متجاوزي القانون. بيد أن الواقع المر الذي بات يقتنع به كثيرون اليوم -ولا نلومهم على ذلك بل نلوم من أوصلهم لذلك- يتمثل بأن الصوت الذي كانت الدولة تستمع له في بدايات الأزمة باعتباره صوت المخلصين وتستند عليه في بيان حقيقة العملية الانقلابية، وتمضي للإشادة به وبوقفة أصحابه، أصبح لدى البعض اليوم صوت “نشاز”، أصبح “حجر عثرة” في طريق من يريدون إهالة الرمال على ما حصل وبث “فيروس النسيان” في عقول البشر، بحيث يتقبل المخلصون ما حصل لهم وما تضرروا من جرائه باعتبار “المسامح كريم”! وعليه يتقبلون تعطيل تطبيق القانون، ولا يرون ضيراً من منح الانقلابيين والمحرضين فرصة للعودة للمسار الذي انحرفوا عنه، وكأنهم لم يفعلوا أي شيء يستوجب المساءلة والمحاسبة، بل لا يجب أن ينزعجوا و«يزعلوا” إن رأوا من خان البلد مقدماً على حساب من أخلص لها ودافع عنها.
على ما يبدو أن ما يقوله كثيرون في الشارع البحريني المخلص الرافض لمخطط الانقلاب والتسقيط يمضي ليثبت صحته، بأن الدولة وصلت لمرحلة “سمعها بات ثقيلاً جداً”، لا يلتقط ما يطالب به الناس، ولا تتحرك بناء على شرعيتها المستمدة من هؤلاء الناس الذين بايعوها أكثر من مرة، ورفضوا أن تطالها الإساءات، وأن تصل المسألة لهز كيان البلد كله، ونقول إن العملية باتت تثبت صحتها، لأن الذين يعانون اليوم من الوضع ليس من افتعلوا الشرارة الأولى، وصنعوا منها حريقاً أتى على البحرين برمتها، بل يعاني اليوم البحريني المخلص الذي دافع عن بلده وقت الشدة، ثم يفاجأ اليوم بأن بلده لا تدافع عنه، ولا تحميه، ولا تحقق له مطالباته المشروعة والمكفولة دستورياً وقانونياً عبر الضرب بقوة على يد الإرهاب، وعبر تطبيق القانون على متجاوزيه.
بل بعض الأمور تثبت العكس بأن سمع جهات في الدولة “حاد جداً”، بحيث بات الاستياء موجهاً للمخلصين، حينما تصدر منهم كلمات حق، وبات وصف “التأزيم” يطالهم من الدولة نفسها بطريقة أو أخرى عبر ممثلين لها بأسلوب يكاد يقول: “رجاء أكرمونا بصمتكم، فهذه سياسة، ونحن أبخص”.
عفواً، لكن أي سياسة هذه التي باتت اليوم تقلب المواقف وتحول المخلص إلى “مؤزم”، وباتت تمنح “الخائن” بدل الفرصة ألف فرصة، بل تنتظر وتترقب ردات فعله؟!
لسنا دعاة تحريض وتأزيم على الأرض، لكننا نقول بأن صوت المخلصين اليوم إن تم تجاهله وإن قادت الإجراءات المتخاذلة بحق الإرهاب وصانعيه المخلصين للاقتناع بأن القانون السائد هو “قانون الشارع” لا “قانون الدولة”، فإن النتيجة لا يجب أن يلام عليها الناس، كون سببها تعامل الدولة معهم، كون سببها “السمع الثقيل” تجاه خطاب المخلصين في مقابل “السمع الحاد” و«الإنصات” لخطاب الانقلابيين والمحرضين ومحاولة “التسديد والمقاربة” بشأن مطالبهم، التي إن تحققت باستخدام ورقة “الإرهاب” فهي لن تثبت إلا أن التعامل الأجدى مع الدولة ليس عبر المؤسسات التشريعية والدستورية أو بالقانون، بل التعامل الأمثل معها في “الشارع” ولا مكان آخر.
قالوا “اسحقوهم” تحريضاً على قتل رجال الأمن، وقال متحدثهم للدولة “تحلمون”، بل مازال أتباعهم يقولون “تسقطون وترحلون”، وعميد إعلامهم الكاذب قال “نحن الباقون وأنتم الخارجون”، إلى غير ذلك من حملات يومية لتشويه صورة البحرين في الخارج، كل هذا ولا إجراءات تتخذ، بالتالي لا تلوموا الناس إن قالوا بأن الدولة بات “سمعها ثقيلاً”.