تٌرى ماذا يمنع الإنسان من أن يصبح سعيداً؟ يعتقد علماء النفس الروس أن رؤية الإنسان للعالم، ولحياته الخاصة، تمثِّل ينبوعاً غزيراً للسعادة، فالمسرور يجد ذرائع للاكتئاب والحزن أقل بكثير مما يجد الإنسان البائس الذي باتت التكشيرة الدائمة على وجهه رمزاً لتعاسته.
وأعتقد شخصياً أن الناس، بحسب نظرتهم للحياة، ينقسمون إلى قسميّن أساسييّن: القسم الأول من البشر يعتقد أنه يعيش مرةً واحدةً فقط، ومن ثم فإن الحياة بالنسبة له كالأرض الواسعة الجرداء بالنسبة للطفل الذي يستطيع أن يسرح ويمرح فيها كما يشاء دون رقيب أو حسيب، باستثناء نظرات والديّه التي تشرد باتجاهه بين الفينة والأخرى كي تطمئن على سلامته واستمتاعه بوقت فراغه. وفي هذه الأرض الرحبة، يجد الإنسان ضالّته في أن يمارس عمله المحبّب لديه دون إكراه، وفي الوقت ذاته يعيش كل لحظةٍ من حياته كما لو كان سيفنى غداً، أي أنه يستمتع بكل ثانية تمّر عليه، بصرف النظر عن مركزه، وإمكاناته المادية، والتزاماته الأسريّة والمجتمعية. مثل هذا الإنسان لا تجده متأففاً أو شاكياً أبدياً، لأنه لا يرغب في تعكير أمزجة الآخرين بسرد مشكلاته لهم، واستدراء تعاطفهم، بل بالعكس، تجده يهّب دائماً لمساعدة الغير على إنجاز أهدافهم الدنيوية قدر ما استطاع، وفي ذلك يرى السعادة الحقيقية والمغزى الفعلي لحياته الجميلة.
أما الصنف الآخر من البشر فيعيش حياته بالمسطرة والقلم، إن صح التعبير، فهو يتعامل مع الأرض الواسعة الممتدّة أمامه بنفس الطريقة التي يتعامل بها المهندس مع المساحة التي طُلب منه تخطيطها واستغلالها بحيث تحقِّق الربح الأمثل لمالكها. إنه يأخذ في الحسبان كل شبر فيها، ويفكِّر في كيفية الاستفادة منه، وينتبه إلى كل شاردة أو واردة في حياته، فتراه منغمساً في حساب مدّخراته المالية، ويضع قواعد صارمة لكيفية استثمارها على نحوٍ ينمِّي ثروته، ويضاعف أرباحه، لذا فإن مسألة الاستمتاع بالحياة تخضع أيضاً، في نظره للقوانين التي يفرضها نمط الحياة المرسوم سلفاً، ومن ثم فإنه يجد سعادته في قدرته الفائقة على المواءمة الدقيقة بين احتياجاته وإمكاناته، فالحياة هي تخطيط دقيق للأمور ضماناً للمستقبل المجهول، وكأن مصير أبنائه ليس بيدهم، بل بيده هو، فهو وحده يملك مفاتيح السعادة ويستطيع فكّ طلاسمها الغامضة!