لم يشكل وصول الإسلاميين المعتدلين إلى السلطة عبر الانتخابات الحرة في عدد من البلدان العربية أي مفاجأة، لأنهم كانوا البديل المطروح منذ أكثر من نصف قرن من الزمان (وأكثر في بعض البلدان)، ولأنهم يمتلكون من التنظيم والخبرة والإمكانيات ما لا يمتلكه الآخرون، ولأن خطابهم السياسي - الديني هو الأقرب إلى قلوب الناس ولغتهم وتطلعاتهم، ولكن يواجه هذا التيار الإسلامي المصنف بالمعتدل، ويمسك حالياً بمفاتيح السلطة في عدد من البلدان العربية، عدداً من التحديات التي عليه أن يواجهها من الآن فصاعداً، ولعل نجاحه من عدمه في أول تجربة له في الحكم رهن لنجاحه في مواجهتها على نحو فعال وصحيح:
- التحدي الأول، أنهم لم يعودوا أمام حالة دعوية ثقافية خيرية واجتماعية، إنهم اليوم أمام تحديات إدارة الدولة، لملء الفراغ الحاصل على مستوى الساحة السياسية، والإجابة عن أسئلة تتعلق بالأمن والمال والأعمال والوظائف والتوازن بين الجهات والتعاون الدولي والحرب والسلام والتفاوض وشروط البنك الدولي والاقتراض والاحتجاج والحريات العامة والخاصة وبناء التوازن بين الهوية وبين العصر ومصالحة الأصالة والمعاصرة عملياً وليس على الورق.. وهي عملية في منتهى التعقيد والصعوبة.
- التحدي الثاني، يتعلق بكيفية التعاطي مع قواعد الحركات الإسلامية يلزمها وقت طويل من أجل استيعاب التحولات العميقة التي قد تظهر في الخطاب السياسي لتنظيماتها، وقد تكون هذه القواعد عرضة لاستقطاب مضاد خصوصاً من الحركات السلفية والجهادية المتطرفة والتي تقف على أهبة الاستعداد للانقضاض على الفرصة إذا ما سنحت.
- التحدي الثالث، يرتبط بكون حركات الإسلام السياسي القابضة على السلطة حالياً، سوف تتحول إلى بنية سياسية حزبية تقليدية، وبمجرد امتلاكها لمفاتيح العمل حتى تغدو أسيرة النفعية المغلفة بغطاء الواقعية، تتجلى فيه مختلف فنون المراوغة والقدرة على التلون واقتناص الفرص، والحنكة في مجال التفاوض وربح الصراعات السياسية. وإن مما يخشاه خصوم الحركة الإسلامية هو تناقض تعبيراتها مع خطاب الحداثة الذي طالما كان محورياً في مشاريع القوى الليبرالية والتقدمية الأخرى، وأن يرتد المجتمع إلى النظام الشمولي المخالف لطبيعة الديمقراطية، ويذهب آخرون إلى كون قبول بعض الإسلاميين بالديمقراطية وتبنيهم لما يمكن أن نسميه بخطاب «الإنقاذ الوطني»، ليس سوى مرحلة تكتيكية تلتف بها القوى الإسلامية على مطلب الدولة الدينية التي هي حقيقة مراميها، وليست قناعة استراتيجية أصيلة أو مبدأ صادقاً في ممارساتها، وهذا يوجب على الإسلاميين تقديم اجتهادات وأجوبة على مقاس الدولة الحديثة، وهي اجتهادات ليست بالسهلة بالنظر إلى الضعف البين لدى هذه الحركات في التعاطي مع لغة الحداثة والتباين الكبير بين مختلف التيارات الإسلامية في تأويل النصوص الشرعية وإمكانية تنزيلها على الواقع الموضوعي.
- التحدي الرابع: الحاجة إلى تجاوز النظرة المتمركزة حول أحقيتها مفردة في تمثيل الشعوب والحديث باسمها، واعتبار بعض الاجتهادات التاريخية نسخاً نهائية للتطور الإنساني على مستوى الإبداع الفقهي والمعرفي، هذا إضافة إلى ضرورة إعادة تأهيل طاقاتها وكوادرها وفق المنظور الجديد للصراع، وإعداد برامج تربوية وثقافية داخلية بديلة، تنتج أجيالاً من مستعدة لاستيعاب الحق في الاختلاف والتعايش مع الآخر في إطار المشروع الجديد لإعادة إنتاج الوجود.
- التحدي الخامس: يتعلق بتقديم جواب واضح يتعلق بموقفها من العولمة وهيمنة القوى الكبرى على اقتصاديات العالم الإسلامي الفقير واستهدافها لقيمه الثقافية والحضارية، هذه الهيمنة التي تنتج باستمرار ممانعة شديدة من شعوب المنطقة، تتعدد أشكالها وتجلياتها، فهل تكون الحركات الإسلامية أداة انتقال من التصادم إلى التعايش بين ضفتي المعمورة؟، أم أن حالة الحوار بين الإسلاميين وأمريكا قد تدفع إلى بروز القوى السياسية الإسلامية كإحدى ركائز التوازن في عالم مغاير.