بعد فترة طغى فيها الحديث عن الاتحاد الخليجي ذلك المشروع الجميل الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود انشغلت وسائل الإعلام الأخرى بموضوعات أخرى بعضها فرض نفسه وبعضها الآخر لم يكن في المستوى الذي يحتل فيه مكان الحديث عن الاتحاد الخليجي ما أدى إلى خفوت الحديث عن مشروع الاتحاد حتى بدا للبعض المتحفظ عليه أنه تم التراجع عنه، بينما خشي من تحمس له أن يتعطل ثم لا يجد طريقاً إلى التحقق. فما الذي يعنيه خفوت الحديث عن الاتحاد الخليجي، خاصة وأنه وجد حماساً كبيراً في بعض الدول ومنها البحرين؟
البعض اعتبر خفوت الحديث هذا مؤشراً على تعثر محاولة إظهار مجلس التعاون الخليجي كاتحاد سياسي وأنه واضح عدم تمكن دول الخليج العربية الانتقال من دائرة التعاون إلى الدائرة الأرحب.
البعض الآخر اعتبر هذا الخفوت بمثابة الهدوء الذي يسبق «العاصفة» التي ستهب في لحظة مؤكداً أن الهدف الأساس من مشروع الاتحاد الخليجي هو إقامة علاقات سياسية أقوى بين دول مجلس التعاون وإقامة هيئة مركزية لاتخاذ القرارات يمكنها أن تستجيب لمختلف التحديات الخارجية وأن في ذلك حفظ لدول الخليج العربي كافة.
منذ أن طرحت فكرة الاتحاد الخليجي برز للسطح سؤال مهم يشكل قلقاً مشروعاً هو هل الاتحاد يعني تخلي دول الخليج العربي عن سيادتها واستقلالها؟ ورغم أن تطمينات كثيرة جاءت على لسان مسؤولين كبار في دول المجلس؛ إلا أن السؤال ظل مطروحاً ومقلقاً خصوصاً فيما يتعلق بشأن البحرين الدولة الأكثر حماساً للمشروع والدولة الأصغر التي يمكن للاتحاد أن يوفر لها قوة ومنعة.
المتحفظون والمتشائمون يرون أن تطور الأوضاع بين دول المجلس على مدى تاريخها التعاوني البالغ ثلاثين عاماً لا يشير إلى أن الاتحاد الخليجي قابل للتحقق إلا «إذا استقرت هذه الدول على معانٍ ومفاهيم خاصة وجديدة لمعنى كلمة الاتحاد التي تقصدها على نحو يبعده عن المفهوم المتعارف عليه في التجارب الدولية» حسب بعض الدراسات.
وبعيداً عن الرأي والموقف السلبي من مشروع الاتحاد الخليجي من قبل البعض أقول إن من الطبيعي أن يكون لكل دولة رأي وموقف من الاتحاد وهو حال أي مشروع جديد، لكن في كل الأحوال توجد قناعة عامة ورغبة لدى دول مجلس التعاون كافة لترجمة هذا المشروع إلى واقع ملموس.
وأقول إن الدعوة تلقى تجاوباً طيباً وتلقائياً من مواطني الخليج وثمارها أكثر وضوحاً لدى النخبة من أبنائه حتى أولئك الذين يتخذون منه موقفاً سالباً حيث موقفهم ينطلق من أسباب وظروف سياسية ليست خافية. وأقول أيضاً إن الاتحاد الخليجي لا يواجه صعوبات كبيرة على الأقل في بعض المناحي التي يمكن أن يتحقق فيها الاتحاد بسهولة كالأمن والسياسة والاقتصاد. وأقول إنه لا بأس أن يبدأ الاتحاد بين البحرين والسعودية في خطوته الأولى وأراهن أن دول الخليج الأخرى لن تتأخر عن الالتحاق بركبهما.
للتذكير فقط، كان تأجيل إعلان الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد -حسب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في ختام قمة مجلس التعاون الخليجي التشاورية الأخيرة التي عقدت في الرياض- هو لوضع دراسة شاملة ودقيقة، أي أنه لم يكن أبداً يعني التراجع عن فكرة الاتحاد القابلة للتحقق في كل الأحوال.
حسب ما أعلن سابقاً فإن قمة استثنائية ستعقد في الرياض قبل قمة البحرين المقررة في ديسمبر المقبل للإعلان عن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وهو ما يعني أن الحاجة ماسة لإعادة مشروع الاتحاد الخليجي إلى الواجهة حيث الفترة الفاصلة بيننا وبينه قصيرة .فهل من خطوة تكسر حالة الخفوت التي دخلها هذا المشروع الحلم؟