لن نجادل في حرمة جريمة التعذيب شرعاً وقانوناً وأخلاقاً وعرفاً، كما إننا نعد ضحايا التعذيب أياً كانت جريمتهم التي ارتكبوها إلا أننا نعدهم ضحايا لعقوبة غير إنسانية، فما بالك وبعض ضحايا التعذيب لم يحاكموا ولم يدانوا بعد؟ تلك جريمة مضاعفة ومشددة ومغلظة. هذا موقف مبدئي لا نجادل فيه، إنما نقف ونجادل كل مسؤول أمريكي تحديداً يصرح بإلزام البحرين بمحاكمة المسؤولين عن التعذيب، فهم في هذا الموضوع تحديداً، آخر من يتكلم. نحن لسنا ضد محاكمة من يتهم بالتعذيب، لكننا نقول للأمريكان أنتم بالذات عليكم أن تسكتوا في هذا الموضوع بالذات، خصوصاً وأن الأحكام التي صدرت في حق الكولونيل ستيفين جوردان الكولونيل المتهم بالإشراف على الانتهاكات والتعذيب الممنهج في سجن أبوغريب أحكام لم ينشف حبرها فهي أحكام تبرئة وأحكام أعطت الحصانة والحماية لمرتكب أفظع جريمة تعذيب في تاريخنا المعاصر، وقد صدرت تلك الأحكام في يونيو 2006 والذاكرة لم تمحها بعد. وسأكتفي بتقرير وكالة رويترز الذي جمع ردود الفعل حول تلك الأحكام التي اعتبرت مشينة، لتتذكروا لماذا عليكم أنتم بالذات السكوت حين يتعلق الأمر بمحاكمة العسكريين الذين ارتبكوا جرائم تعذيب، إذ يقول التقرير وعنوانه (أحكام مثيرة للجدل في ختام محاكمات أبوغريب): مع انتهاء آخر المحاكمات العسكرية بشأن انتهاكات ارتكبت بحق سجناء في سجن أبوغريب العراقي قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنها على ثقة من أن العدل أخذ مجراه لكن جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان ترى أن الأحكام فشلت في محاسبة المسؤولين. لم يواجه سوى ضابط أمريكي واحد هو اللفتنانت كولونيل ستيفن جوردان محاكمة عسكرية في فضيحة أبوغريب. وبرّئ جوردان الثلاثاء الماضي من المسؤولية عن الانتهاكات التي وقعت في السجن الواقع غربي بغداد. وجوردان الذي قال إنه لم يقم بأي دور في الانتهاكات وإن الجيش كان يحاول التضحية به ككبش فداء أدين فقط بعدم طاعة أمر بعدم مناقشة التحقيقات في القضية وتم تأنيبه رسمياً. ونشرت صور الانتهاكات ومنها صور للمعتقلين وهم عرايا مكدسين فوق بعضهم وصور لسجناء عراة مذعورين أمام كلاب بوليسية تعوي في أبريل عام 2004 وأضرت بشدة بسمعة الجيش الأمريكي وحربه التي يشنها في العراق. وأدين 11 جندياً أمريكياً من رتب أقل في محاكمات عسكرية فيما يتعلق بالانتهاكات الجسدية والإهانات الجنسية للمعتقلين في سجن أبوغريب. واتخذ الجيش إجراء تأديبياً ضد ضابطين لكنهما لم يواجها اتهامات جنائية أو تسريح من الجيش. ويقول نشطاء مدافعون عن حقوق الإنسان إن هذا السجل يتعارض مع التعهدات العلنية من جانب كبار المسؤولين الأمريكيين. فقد قال كولن باول وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت في مايو عام 2004 “انظروا كيف ستتصرف أمريكا بشكل صحيح”. وقال باول إن الرئيس الأمريكي جورج بوش “عازم على معرفة المسؤولين ومحاسبتهم”. وبدا باول راضياً عن أخذ العدالة لمجراها. وقال في تعليق بعث به مكتبه لرويترز “وجه الاتهام لأشخاص مثلوا أمام القضاء. النظام عمل بشكل جيد”. لكن جون سيفتون الباحث البارز بمنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش) قال “كانت هناك ثغرات كبيرة في عملية المحاسبة”. وأضاف أن نظام المحاكم العسكرية التابعة للجيش غير مناسب للتعامل مع هذه الفضيحة لأن الإجراءات تحتاج لموافقة كبار الضباط. وتابع أن الجيش كان يجب أن يعين ممثل ادعاء مستقلاً. وقال “بما أن نظام القضاء العسكري أثبت أنه ضعيف للغاية في التعامل مع كل ذلك نوصي الأن بأن يعين ممثل ادعاء مستقلاً من وزارة العدل”. ودافع البنتاجون عن نظام القضاء العسكري ودوره في التحقيق في انتهاكات أبوغريب. وقال برايان ويتمان المتحدث باسم البنتاجون “الذين تصرفوا بشكل غير متسق مع سياساتنا وإجراءاتنا وقيمنا سيتحملون المسؤولية والسبيل لذلك هو من خلال القانون الموحد للقضاء العسكري”. لكن الان كيلر وهو أستاذ طب بجامعة نيويورك وخبير في قضايا التعذيب ودرس فضيحة أبوغريب قال إنه من الواضح أن المسؤولية عن الانتهاكات ألقيت على عاتق أصحاب الرتب الصغيرة. وأضاف “فكرة أن ما حدث في أبوغريب كان قاصراً على بعض الثمار العطبة في دورات العمل المسائية أمر مناف للعقل”. ومضى يقول “مثل هذا الافتقار للمحاسبة يوجه رسالة مفزعة لبقية العالم”. من اندرو جراي (انتهى) هكذا إذا تعاملت أمريكا مع رجالها العسكريين الذين وجهت لهم تهم التعذيب بعد أن افتضحوا لم تستعن بلجنة دولية لتقصي الحقائق، ولم يجلس بوش يستمع لتأنيب رئيس اللجنة، ولم تشكل لجنة لتفعيل وصايا اللجنة الأولى بل لم تسمح لأحد بأن يتدخل في قضائها العسكري، ولم تسمح حتى بتشكيل هيئة ادعاء عام من خارج قضائها العسكري، وفي النهاية لم تضح برجالها العسكريين من أجل رضى ألف منظمة حقوقية ولم تعنها كل ملاحظات تلك المنظمات، بل الملاحظ أن حتى تقارير منظمات حقوق الإنسان كانت رؤوفة بالإجراءات الأمريكية على شدة تعسفها، واستخدمت توصيفات (حنونة) للمخالفات الحقوقية في النظام القضائي العسكري الأمريكي. رغم أن حجم الانتهاكات عرض بالصوت والصورة على مرأى العالم كله. ومع ذلك فإن المحاكمة كانت شكلية بدليل أن الأحكام التي صدرت كلها لا ترقى إلى ما قامت به القوات الاستخباراتية الأمريكية ولا ترقى إلى الجرائم التي شاهدناها بالصور، والتي ستبقى عاراً في جبين الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك لم نر سوى حماية قانونية أمنتها الولايات المتحدة الأمريكية لرجالها العسكريين. لهذا فإن علينا رفع اسم ستيفن جوردان وليندي انجلاند لأي مسؤول أمريكي يتجرأ وينتقد الإجراءات البحرينية لنذكره فقط بقضائه العسكري وبإجراءاته وبأحكامه وليحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا الآخرين.