لو لم تكن القرى معزولة ومهملة ثقافياً لسنوات لما تمكن أحد من اختطاف إرادتها كما فعل حزب الدعوة بحجة الخصوصية وبحجة الخوف على الهوية.
لو لم تكن الدولة ضعيفة ومهملة ومستسلمة لتهديد رجال الدين لما حدث 14 فبراير.
لو لم تكن الدولة مهملة في واجباتها بحماية الناس من دكتاتورية رجال الدين لما حدث ما حدث.
لو لم تكن الدولة ضعيفة وغير حاسمة وجعلت من رجل الدين هالة مقدسة وضعته فوق القانون لما حدث ما حدث.
كلنا نريد الديمقراطية ونريد التطور ونريد منع الفساد ونريد أن نرى إرادة الشعب ممثلة في سلطاته الثلاث، ولكن كان ذلك مجرد شعار رفع للمتاجرة للإعلام الأجنبي، كان بضاعة مغشوشة، كان غلاف “سلوفان”، أما البضاعة الأصلية فكانت حكماً دكتاتورياً دينياً مهدداً لكل منجزات الدولة المدنية، ساهمت الدولة بضعفها وليونة تطبيقها للقانون أن يتمدد هذا الحكم الديكتاتوري.
لذلك لابد من تضافر الجهود الأهلية والرسمية لمنع تكرار هذا الاختطاف ولحماية المنجزات المدنية التي تعب الشعب البحريني في بنائها على مدى قرون طويلة من الحضارة والتجارب البشرية المتراكمة، فتأتي الدولة بضعفها وهوانها فتضيّع كل هذا البناء، لذلك لابد أن يكون لنا دور في محاسبة ومراقبة ودفع الدولة للخلاص من الديكتاتورية رجال الدين.
سنحاسب الدولة بكامل أجهزتها إن هي تهاونت في وضع استراتيجية شاملة تخلص القرى من الأسر الثقافي، وتحرر العقلية وتبقي على الهوية وتحافظ على المذهب وتترك الحرية للتعبد وللتدين وللمعتقدات، لكنها استراتيجية تعمل على الخلاص من هيمنة رجل الدين على مقدرات الناس وفصل المنبر الديني عن السياسي.
على مجلس النواب أن يسأل الحكومة عن برنامجها بالتفصيل ودور المؤسسات التنفيذية المتعددة (تربية على مؤسسات شباب، على تعليم عال، على إعلام، على إسكان..) لعلاج هذا الخلل وسد تلك البؤرة، وتلك مسألة تحتاج ربما لعقد من الزمن، ولكن لابد من وضع خطة علاجية.
هناك العديد من المثقفين والأكاديميين من القرى، ومن الشيعة أنفسهم، الذين يؤكدون ويعرفون ويتفقون تماماً مع ما نقول، يعرفون حجم وصلابة الطوق المحيط برقابهم، ولكنهم عاجزون عن التحرك الفردي ولا يلامون.
الدولة لم تع حجم المشكلة، الدولة لم تع أن تلك المشكلة ممكن أن تكبر في يوم من الأيام وتنخر الدولة وتهدمها من الداخل، وهذا ما حدث في 14 فبراير.
حتى جاء اليوم الذي صعد فيه أصحاب العمائم على ظهور البسطاء وقادوهم إلى التهلكة من أجل حلم إقامة الدولة العمائمية، وأوهموهم أن خلاصهم وسعادتهم ستكون على يد أهل العمامة، تركوهم في ظلام سرمدي جعلهم لا يرون (حلم الدجاجة) الذي سقط فيه الشعب الإيراني حين صدق أصحاب العمائم وانقاد لهم في ثورة انتهت بحلم الدجاجة!!
سنحلم وسنعمل سوياً كشعب بحريني على منع الفساد وعلى محاربة التسلط، وسنحلم وسنعمل سوياً على أن تكون الإرادة الشعبية في يد الشعب، ولكننا لن نسمح أن تكون الإرادة الشعبية في يد علماء ومشايخ يقودوننا كما تقاد النعاج، كما أرادها أصحاب العمائم.
الديمقراطية لا يمكن أن تسمح أن تكون السلطة في يد رجل الدين يهيمن من خلالها على مصير الشعوب، الديمقراطية لا تعني انقياد مثقفين وتكنوقراط وأطباء وأكاديميين لرأي رجل الدين يتحكم فيهم ويجعلهم نعاجاً يقادون كيفما يشاء، هذه (ديمخراطية) وليست ديمقراطية.
خلاصنا سيكون حين نتخلص من دكتاتورية رجل الدين وانفتاح القرية على بقية أجزاء الوطن واندماج الطوائف في مناطقهم السكنية ومدارسهم، وهذه مهمة الدولة واستراتيجياتها المستقبلية، وحين يكون هناك مناهج دراسية تعلم علم المنطق والفلسفة والتفكير المنهجي، هذا جزء من الاستراتيجية، وحين يمنع رجل الدين أن يتحدث في السياسة قانونياً ويطبق وينفذ هذا القانون، ذلك جزء من الاستراتيجية، وحين تحمي الدولة من يملك الجرأة ويتمرد على الطوق، وحين توفر الدولة مناخاً تعبيرياً منفتحاً مصاناً في كل وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والشبابية؛ يسأل فيه رجل الدين وترفع عنه الحصانة شأنه شأن أي مواطن آخر.
خلاصنا حين تنفتح القرية بمؤسسات شبابية مختلطة ومناطق سكنية مختلطة ومدارس مختلطة تعيد دمج الشيعة في البحرين بعد أن عملت الدولة بعمد أو بجهل على عزلهم، فسهل على من يريد السيطرة عليهم وخطفهم أن يقوم بذلك بلا رادع.
خلاصنا سيكون حين نخلص العامة من هيمنة رجال الدين بقانون للأحوال الشخصية، وبفرض قانون يجبر رجال الدين الذين يأخذون الخُمس أن يفصحوا عن ذمتهم المالية، وأن يمنع إرسال الأموال للخارج، وأن يسن قانون يضع الخمس تحت إشراف لجنة، أياً كانت، المهم أن جمعها وصرفها معلن ومنشور وقابل للمساءلة، وهذه أيضاً أجزاء من الاستراتيجية.
خلاصنا حين تكون الدولة قوية وتحل كل الجمعيات السياسية القائمة على أسس مذهبية لأنها تعرف أن ذلك مخالف للقانون.
خلاصنا في دولة قوية بقانونها وبمؤسساتها وبإنفاذها لهذا القانون وباحترامها لتلك المؤسسات.
خلاصنا بشعب هو الذي يجبر ويسأل المؤسسات التنفيذية عن تطبيق القانون عبر حراكه السياسي المستمر وضغطه على جمعياته السياسية وعلى مجلس نوابه وعلى إعلامه.
الدولة هي هذا الشعب والأجهزة التنفيذية تنفذ إرادته، فإن تهاونت فإن على الشعب محاسبتها ولديه كل الأدوات.
لا يجب أن نتهاون في ضياع منجزاتنا لأن هناك تردداً عند السلطات.