أتصوّر أن الجنح الصغيرة؛ كالمخالفات المرورية البسيطة كأن تركن سيارتك دون أن تدفع ثمن حجز الموقف إما سهواً أو جهلاً أو إهمالاً، قد لا تكون بالضرورة شرطاً لارتكاب مخالفاتٍ جسيمةٍ، لكنها قد تمهِّد الطريق لها، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، كما يُقال، ومن اعتاد على عدم دفع تذكرة إيقاف السيارة في رصيفٍ عامٍ، ووجد في عدم ضبطه بهذه الجنحة تأكيداً “لشطارته” في التحايل على القانون، سيجد نفسه في لحظة أخرى يقود المركبة بسرعة تفوق السرعة المسموح بها أضعافاً مضاعفةً، وسيجد لنفسه “المبرِّرات” التي تبرأ ساحته لو تم رصد سلوكه عبر الرادار، لكنه سيحكي لأصدقائه تفاصيل “مأثرته البطوليّة” الجديدة، وكيف استطاع “بحنكته المعهودة” خداع أجهزة مراقبة السرعة والإفلات من العقاب، أي من دفع الغرامة.
أكرِّر إن هذه المخالفات الصغيرة قد تمّر دون أن يدري أحد عنها، فحتى الزوجة التي تتلذّذ دوماً بمناكفة زوجها لن تسأله مثلاً عمّا إذا كان قد دفع ثمن تذكرة إيقاف مركبته في الموقف العمومي مدفوع الأجرة حينما دلف إلى السوق لشراء حاجيّات المنزل، لكنها بالتأكيد سوف تسأله عمّا إذا كان قد دفع فاتورة هاتف المنزل، خصوصاً إذا اشتكى الأبناء من انقطاع خط الإنترنت أو تباطأ وتيرة عمل الشبكة، والسبب في هذه الحالة هو أن المخالفة التي تبدو “بسيطةً” في شكلها الخارجي، لكنها “جسيمةً” في تداعياتها اللاحقة المحتملة على الجميع، تتخذ في هذه المرة طابعاً اجتماعياً وليس فردياً، وبالتالي فإن دائرة المتضرِّرين مباشرةً منها قد تتسع يوماً عن يوم، فعدم وجود الإنترنت في المنزل قد يدفع أحد الأبناء للتفكير في “نشل” الخط مؤقتاً من الجيران، مما سيوقع أبيه في مشاكل غير متوقعة مع جيرانه الذين عاش معهم دوماً في وئام، وهكذا يزداد عدد ضحايا المخالفة التي بدت تافهةً، لكن تدجين تبعاتها المرّة أصبح أمراً صعباً!
ومع ذلك فإن مخالفة عدم دفع فاتورة الهاتف ستمّر أيضاً دون أن يذكرها أحد حالما يتم تسوية المسألة مع الشركة المعنيّة، غير أن هناك صوراً أخرى للمخالفات التي تختزلها الذاكرة البشرية، ربما بسبب عفويّتها، ومنها مثلاً قيام الرئيس السوفيتي الأسبق نيكيتا خروشوف في مبنى الأمم المتحدة بالضرب بحذائه على الطاولة لدرجة أن كثيرين لا يتذكرون خروشوف إلا عبر هذه الحادثة، ويبدو أن استخدام الأحذية للضرب أو الرشق يخلِّد أصحابها في ذاكرة البشر!
{{ article.visit_count }}
أكرِّر إن هذه المخالفات الصغيرة قد تمّر دون أن يدري أحد عنها، فحتى الزوجة التي تتلذّذ دوماً بمناكفة زوجها لن تسأله مثلاً عمّا إذا كان قد دفع ثمن تذكرة إيقاف مركبته في الموقف العمومي مدفوع الأجرة حينما دلف إلى السوق لشراء حاجيّات المنزل، لكنها بالتأكيد سوف تسأله عمّا إذا كان قد دفع فاتورة هاتف المنزل، خصوصاً إذا اشتكى الأبناء من انقطاع خط الإنترنت أو تباطأ وتيرة عمل الشبكة، والسبب في هذه الحالة هو أن المخالفة التي تبدو “بسيطةً” في شكلها الخارجي، لكنها “جسيمةً” في تداعياتها اللاحقة المحتملة على الجميع، تتخذ في هذه المرة طابعاً اجتماعياً وليس فردياً، وبالتالي فإن دائرة المتضرِّرين مباشرةً منها قد تتسع يوماً عن يوم، فعدم وجود الإنترنت في المنزل قد يدفع أحد الأبناء للتفكير في “نشل” الخط مؤقتاً من الجيران، مما سيوقع أبيه في مشاكل غير متوقعة مع جيرانه الذين عاش معهم دوماً في وئام، وهكذا يزداد عدد ضحايا المخالفة التي بدت تافهةً، لكن تدجين تبعاتها المرّة أصبح أمراً صعباً!
ومع ذلك فإن مخالفة عدم دفع فاتورة الهاتف ستمّر أيضاً دون أن يذكرها أحد حالما يتم تسوية المسألة مع الشركة المعنيّة، غير أن هناك صوراً أخرى للمخالفات التي تختزلها الذاكرة البشرية، ربما بسبب عفويّتها، ومنها مثلاً قيام الرئيس السوفيتي الأسبق نيكيتا خروشوف في مبنى الأمم المتحدة بالضرب بحذائه على الطاولة لدرجة أن كثيرين لا يتذكرون خروشوف إلا عبر هذه الحادثة، ويبدو أن استخدام الأحذية للضرب أو الرشق يخلِّد أصحابها في ذاكرة البشر!