لا أدري إن كان الرأي العام يقبل مثل هذا الطرح أم لا، وهل من المقبول أخلاقياً الحديث في هذا الموضوع؟!
ولكنني لم أتصور أن يأتي يوم وأتحدث فيه عن شرعية وجود مجموعة من مكونات في مجتمع البحرين، ولا أتصور أن مثل هذه القضية قد تكون مثارة قبل أزمة 2011.
أجد الموضوع غير عادي تماماً، أمام مواطنين يحملون رؤى وتصورات معينة، وهذا بلا شك حقهم، ولكن أن يكون هناك تطرف مبالغ فيه للرأي فلا أعتقد أنه مقبول تماماً.
خلال الأيام القليلة الماضية ومن دون مقدمات، أثيرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي قضية إنشاء كنيسة جديدة في البحرين، وتم تصويرها كالآتي موجة جديدة للتبشير المسيحي تطال البحرين، واغتيال الإسلام على أرض البحرين، والفاتيكان ينقل نفوذه من الكويت إلى المنامة، والحكومة تسعى لتوريط الشعب وإشغاله بقضية جديدة، ومخاوف من تأثر طلبة جامعة البحرين بالمسيحية بسبب احتمال تشييد الكنيسة بالقرب من قرية عوالي.. إلخ.
المبالغات والطرائف حول الموضوع لا تنتهي، ولكنها تفتح الباب أمام هواجس كبيرة جداً.
نعرف جيداً أن الاحتجاجات الشعبية وحالة عدم الاستقرار السياسي تتسم غالباً بحالة مرتفعة من التطرف، ولكن لم أتوقع أن يكون التطرف لهذه الدرجة. أفهم عندما يقود التطرف لتعليق المشانق وحمل السيوف لدى الأفراد، ولكن لا أفهم هذا التغيير المفاجئ الذي طرأ على المزاج البحريني ليخلق حالة متقدمة من الرفض لإنشاء دار عبادة لإحدى مكونات المجتمع المحلي.
دائماً ما كانت الصورة الذهنية عن البحرين بأنها بلد تتعايش فيه مكونات غير متجانسة إثنو ـ طائفياً، وتتمازج فيه الأعراق والثقافات، ومن أهم الصور التي تجسد هذه الصورة الذهنية لقطة تضم مسجداً بالمنامة مجاور لكنيس مسيحي في منطقة يوجد فيها معبد الأقلية اليهودية في البلاد.
هذه الصورة أعتقد أنها ليست ذات قيمة الآن نهائياً لدى المكونات الرئيسة في المجتمع، وهما المكون السني والمكون الشيعي. فشريحة واسعة من المكون السني ـ أعتقد أنها في تزايد ـ باتت تتحفظ على إنشاء الكنيسة الجديدة، وباتت تتحفظ أيضاً على نقل مقر النائب الرسولي لشمال شبه الجزيرة العربية (سفارة الفاتيكان) من الكويت إلى المنامة، والاعتبارات هنا متعددة من اعتبارات دينية صرفة إلى اعتبارات سياسية. بالمقابل نجد أن المكون الشيعي الذي يعاني من هيمنة التيار الراديكالي عليه يرى في مشروع الكنيسة ونقل سفارة الفاتيكان للمنامة فرصة هامة لاستهداف علاقة المكوّن السني بالدولة بشخوصها ومؤسساتها، وهي فرصة من مجموعة فرص يحرص على استغلالها دائماً بحيث يمكن الرهان عليها مستقبلاً.
لن أتحدث في النهاية عن مشروعية إنشاء الكنيسة وجدوى وتداعيات نقل سفارة الفاتيكان للمنامة لأن هذا ليس موضوعاً مهماً البتة بالنسبة لي شخصياً، بل الأهم هو انتهاء حالة التعايش السلمي وثقافتها لدى البحرينيين. فالمواطن سنياً أم شيعياً كان لا يهمه وقوف عشرات الآلاف من المسيحيين مع بلاده عندما تعرّضت لأزمة هزتها العام الماضي، ولكن يهمه كيف يواجه المسيحيين عندما يرغبون ببناء دار عبادة جديدة، وكأن إنشاء دار العبادة حق مكتسب ومتاح فقط للسنة والشيعة، ولا يعد حقاً لغيرهم من الأقليات والطوائف التي يجب أن تمارس عباداتها في منازلها فقط أو خارج البحرين.
البحرين دولة إسلامية ولا جدال في ذلك، ولكنها ليست دولة ثيوقراطية بل دولة مدنية مكفولة فيها الحريات الدينية.
في ضوء هذا المنطق يحق لنا أن نفهم لماذا يتزايد التعصب والقناعات الراديكالية لدى كافة مكونات المجتمع اليوم؟!
{{ article.visit_count }}
ولكنني لم أتصور أن يأتي يوم وأتحدث فيه عن شرعية وجود مجموعة من مكونات في مجتمع البحرين، ولا أتصور أن مثل هذه القضية قد تكون مثارة قبل أزمة 2011.
أجد الموضوع غير عادي تماماً، أمام مواطنين يحملون رؤى وتصورات معينة، وهذا بلا شك حقهم، ولكن أن يكون هناك تطرف مبالغ فيه للرأي فلا أعتقد أنه مقبول تماماً.
خلال الأيام القليلة الماضية ومن دون مقدمات، أثيرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي قضية إنشاء كنيسة جديدة في البحرين، وتم تصويرها كالآتي موجة جديدة للتبشير المسيحي تطال البحرين، واغتيال الإسلام على أرض البحرين، والفاتيكان ينقل نفوذه من الكويت إلى المنامة، والحكومة تسعى لتوريط الشعب وإشغاله بقضية جديدة، ومخاوف من تأثر طلبة جامعة البحرين بالمسيحية بسبب احتمال تشييد الكنيسة بالقرب من قرية عوالي.. إلخ.
المبالغات والطرائف حول الموضوع لا تنتهي، ولكنها تفتح الباب أمام هواجس كبيرة جداً.
نعرف جيداً أن الاحتجاجات الشعبية وحالة عدم الاستقرار السياسي تتسم غالباً بحالة مرتفعة من التطرف، ولكن لم أتوقع أن يكون التطرف لهذه الدرجة. أفهم عندما يقود التطرف لتعليق المشانق وحمل السيوف لدى الأفراد، ولكن لا أفهم هذا التغيير المفاجئ الذي طرأ على المزاج البحريني ليخلق حالة متقدمة من الرفض لإنشاء دار عبادة لإحدى مكونات المجتمع المحلي.
دائماً ما كانت الصورة الذهنية عن البحرين بأنها بلد تتعايش فيه مكونات غير متجانسة إثنو ـ طائفياً، وتتمازج فيه الأعراق والثقافات، ومن أهم الصور التي تجسد هذه الصورة الذهنية لقطة تضم مسجداً بالمنامة مجاور لكنيس مسيحي في منطقة يوجد فيها معبد الأقلية اليهودية في البلاد.
هذه الصورة أعتقد أنها ليست ذات قيمة الآن نهائياً لدى المكونات الرئيسة في المجتمع، وهما المكون السني والمكون الشيعي. فشريحة واسعة من المكون السني ـ أعتقد أنها في تزايد ـ باتت تتحفظ على إنشاء الكنيسة الجديدة، وباتت تتحفظ أيضاً على نقل مقر النائب الرسولي لشمال شبه الجزيرة العربية (سفارة الفاتيكان) من الكويت إلى المنامة، والاعتبارات هنا متعددة من اعتبارات دينية صرفة إلى اعتبارات سياسية. بالمقابل نجد أن المكون الشيعي الذي يعاني من هيمنة التيار الراديكالي عليه يرى في مشروع الكنيسة ونقل سفارة الفاتيكان للمنامة فرصة هامة لاستهداف علاقة المكوّن السني بالدولة بشخوصها ومؤسساتها، وهي فرصة من مجموعة فرص يحرص على استغلالها دائماً بحيث يمكن الرهان عليها مستقبلاً.
لن أتحدث في النهاية عن مشروعية إنشاء الكنيسة وجدوى وتداعيات نقل سفارة الفاتيكان للمنامة لأن هذا ليس موضوعاً مهماً البتة بالنسبة لي شخصياً، بل الأهم هو انتهاء حالة التعايش السلمي وثقافتها لدى البحرينيين. فالمواطن سنياً أم شيعياً كان لا يهمه وقوف عشرات الآلاف من المسيحيين مع بلاده عندما تعرّضت لأزمة هزتها العام الماضي، ولكن يهمه كيف يواجه المسيحيين عندما يرغبون ببناء دار عبادة جديدة، وكأن إنشاء دار العبادة حق مكتسب ومتاح فقط للسنة والشيعة، ولا يعد حقاً لغيرهم من الأقليات والطوائف التي يجب أن تمارس عباداتها في منازلها فقط أو خارج البحرين.
البحرين دولة إسلامية ولا جدال في ذلك، ولكنها ليست دولة ثيوقراطية بل دولة مدنية مكفولة فيها الحريات الدينية.
في ضوء هذا المنطق يحق لنا أن نفهم لماذا يتزايد التعصب والقناعات الراديكالية لدى كافة مكونات المجتمع اليوم؟!