أصدرت وزارة التربية والتعليم مؤخراً كُتيِّباً هاماً بعنوان: “المدارس في مواجهة التحريض والتخريب والمولوتوف”، وهو عبارة عن تقرير حول مدى تأثّر التعليم بالأزمة التي مرّ بها الوطن، ولا يزال يُعاني من ذيولها وتبعاتها. ويظهر الكتيِّب حالات العنف والتخريب التي طالت المدارس، حيث تعرّضت الكثير منها إلى الاعتداءات المتكرِّرة، وحاول البعض جرّها إلى الفوضى، وتحويل الساحات إلى مواقع للتراشق السياسي والمماحكات الحزبيّة، والسعي إلى تعطيل الدراسة فيها طمعاً في بلوغ أهداف سياسيّة ضيّقة، دون النظر إلى حق الطفل في التعلّم في بيئةٍ آمنةٍ وصحيِّةٍ، وهو ما نصّت عليه المواثيق الدولية، ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتكمن أهميّة الكتيّب، في نظري، في أنه يسلِّط الضوء على التأثيرات النفسيّة والاجتماعية التي تعرّض لها طلبة المدارس منذ اندلاع الأحداث المؤلمة في فبراير من العام الماضي، حيث تم الزّج بالأطفال قسراً في أتون الصراعات السياسية، مما ولّد الكثير من المشاكل النفسية والسلوكية التي انعكست سلباً على تحصيل الطالب، وحالته النفسية والمعنوية. فعلى أثر الاعتداءات المتمثلة في إشعال الحرائق، والاقتحام، والتكسير، والسرقة، وتخريب المنشآت ذات النفع العام، ظهرت على الطلبة مجموعة من عوارض العنف النفسي، وأهمّها الضيق، والرهاب “الفوبيا”، والميول الانعزالية، والعزوف عن النشاطات الاجتماعية، بالإضافة إلى انعدام الثقة، وبالتالي كثرة الغياب وتراجع المستوى التعليمي، وقد خلّف هذا الانفلات التربوي ندوباً عميقةً في الوجدان العام، مما بات يشكِّل خطراً على مستقبل أبنائنا الطلبة وفلذات أكبادنا، كما إن تلك التصرّفات الطائشة وغير المسؤولة تركت استياءً لدى أولياء الأمور، حيث بات هؤلاء يعيشون هاجس الخوف من حرمان أبنائهم من الحصول على حقِّهم المشروع في التعليم.
وفي هذا المقام لا بّد من الإشادة بالجهود الجبّارة التي بذلتها وزارة التربية والتعليم للتصدِّي للاعتداءات على صروح العلم والمعرفة، ومحاولة احتواء عواقبها النفسية والاجتماعية، ومن شأن قيام الجمعيّات والهيئات المعنيّة بحقوق الأطفال والناشئة بدراسة تحليليةٍ لظاهرة العنف النفسي على خلفيّة الأحداث السياسيّة أن ينير الطريق أمام التربويين والمختصِّين، لكيفيّة التصدِّي لهذه الظاهرة، وتنمية قيم الانتماء الاجتماعي، والعيش المشترك، والتسامح لدى طلبة المدارس.
أستاذ التربية بجامعة البحرين