في الوقت الذي كانت فيه الجهود على قدم وساق للوصول إلى منطقة وسطى، يلتقي فيها الحكم مع المعارضة مع بقية القوى السياسية المؤثرة في الحراك السياسي الوطني، من أجل بناء توافق سياسي يخرج البلاد من مأزق أسود، عمدت بعض قوى المعارضة إلى القيام بخطوات تصعيدية استعراضية بتنظيم مظاهرة غير مرخصة في العاصمة، اندلعت على إثرها أعمال عنف وتخريب، أوصلت رسالة سلبية لا تتفق مع مساعي التهدئة المطلوبة للتمهيد لأي حوار تدعمه جميع القوى الوطنية الخيرة.
ومن الواضح هنا أن مشاركة “الوفاق” كقوة سياسية مصنفة معتدلة، في مثل هذه المغامرة الاستعراضية، يعود على الأرجح إلى أنها وجدت نفسها في سباق حياة أو موت مع القوى المتطرفة التي باتت تتسيد الشارع وتمارس العنف اليومي والتصعيد المستمر، لتثبت للقوى المتطرفة أنها ليست أقل منها “شجاعة وجرأة” على تحدي النظام والقانون، للمحافظة على شعبيتها.
وفي هذا السياق حدثت المواجهة التي أدت إلى إضاءة الضوء الأحمر، خصوصاً أن السلطة كانت تراهن على قوى الاعتدال داخل الوفاق للوصول إلى تفاهمات في سياق أي حوار وطني شامل.. والأخطر من هذا أن المغامرة غير المحسوبة، قد أثارت هذه المرة موجة من الغضب بين أوساط القوى السياسية والاجتماعية الرئيسة وعلى رأسها التجار ورجال الأعمال والصحافيين والكتاب ورجال الدين والآلاف من المواطنين الذين لم يتوجهوا باتهاماتهم للوفاق هذه المرة وإنما إلى السلطة متهمينها بالتراخي في مواجهة تجاوزات المعارضة للقانون، وهذه الموجة من الاحتجاجات اتخذت في بعض الأحيان طابعاً تحريضياً على المواجهة إلى آخر مدى ممكن بما في ذلك الدعوة إلى حل الجمعية، مهما كانت النتائج.
ورغم تفهم القلق وراء هذا الموقف على مستقبل البلاد واستقرارها في ظل استشراء العنف والتحريض المباشر وغير المباشر عليه، فإنه لا يبدو -في تقديري- موقفاً مناسباً من حيث المدى الذي يدعو إليه، لأن المواجهة الشاملة الأمنية والقانونية ليست بالحل المناسب لهذه الأزمة السياسية بالغة التعقيد، بل إن المطلوب هو العمل على التهدئة، وبناء أوسع تحالف للعقلاء -وهم بالمناسبة موجودون بين جميع الأطراف، بمن في ذلك الطرف المعارض- ومن الأفضل للبلد وأهله، بناء اتحاد للعقلاء والعقلانية السياسية التي بإمكانها لوحدها إخراج البلاد من الأزمة والتوقف عن التحريض والوصول إلى كلمة سواء لبناء ديمقراطية بحرينية توافقية قابلة للاستمرار، وأول هذه الخطوات ضرورة توقف المعارضة عن المغامرة واختبار صبر السلطة، والجنوح- بالعكس من ذلك- إلى عقلنة الحراك والمطالب، مع الحرص على تجنيب البلاد العنف والفوضى، ومنح فرص للجهود الخيرة لبناء التوافق الوطني.
إن الديمقراطية ليست مجرد شكل للحياة السياسية المحققة، إنما هي في جوهرها روح من العقلانية الجماعية التي تسري في أوصال الحياة العامّة، ونمط من التنظيم السياسي الذي يعمل على أن يضع موضع العمل الجماعي مثالاً أرقى للحياة السياسية انطلاقاً من مفهوم المواطنة، ويقف وراء اختيار المواطنين للديمقراطية كنظام أوّلاً، اختيار سابق لجملة من القيم والمثل العليا التي يتمّ تبنّيها، ولعل أهمّها قيمتان جوهريتان تمثلان في واقع الأمر حصيلة المكتسبات التي حققتها حركة الحداثة الكونية في بعديها الاجتماعي والسياسي، ألا وهما العقلانية والديمقراطية.
فالعقلانية في مفهومها البسيط تعني إحلالاً للعقل في الحياة العامّة وإدارة المؤسّسات والحياة الجماعية، وكما تعني تقيّداً كلّياً بروح القوانين، وهي إلى جانب ذلك نوع من الرّشاد الذي يحلّ الحكمة والفاعلية في إدارة الحياة العامة وحكم الناس وتسيير الشؤون، وإحكام للتنظيم في إدارة المؤسسات الإنتاجية وقدرة على وضع أجهزة التسيير العامّة موضع العمل وفق ما يحقّق علوية القانون. وتمثّل الدولة في المجتمع الديمقراطي الأداة الأرقى لتحقيق وظائف العقل في حياة الناس؛ إذ يكمن دورها ودور المؤسسات التي تتفرّع عنها في تأمين أفضل لممارسة الحكم الرّشيد وفق منظومة القيم التربوية والفكرية والروحية التي يتبناها المواطنون ليكون كفيلاً بتوفير حقوق الإنسان وإقرار المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ولتوفير أسباب الرفاهية بتنمية الاقتصاد واستخدام ثروة البلاد لفائدة المواطنين.
وكما أن الديمقراطية تفسح المجال لاحتضان التعدّد الذي تظهر عليه أطياف المجتمع، فإن العقلانية تتمثّل في الروح المحركة التي تسيّر وتنظّم الحياة العامّة وفق القانون بما هو أعلى تجسيد للعقل لضمان تعايش جماعي حرّ وتعايش أرقى بين المواطنين، فلا حكم رشيداً دون قوانين ودون ثقة في تلك القوانين وفي النظام العقلاني الذي يسيّرها، فبناء العقلانية أساس لبناء الديمقراطية في النهاية.
من هذا المنطلق فإن التوافق بين جميع الأطراف على الديمقراطية والعقلانية هو أساس ومفتاح أي حوار جاد وحقيقي للخروج من الحالة الراهن، بما يقتضي أولاً عزل القوى المتطرفة والفوضوية من خلال تحالف لقوى العقلانية والاعتدال من كل الاتجاهات.
{{ article.visit_count }}
ومن الواضح هنا أن مشاركة “الوفاق” كقوة سياسية مصنفة معتدلة، في مثل هذه المغامرة الاستعراضية، يعود على الأرجح إلى أنها وجدت نفسها في سباق حياة أو موت مع القوى المتطرفة التي باتت تتسيد الشارع وتمارس العنف اليومي والتصعيد المستمر، لتثبت للقوى المتطرفة أنها ليست أقل منها “شجاعة وجرأة” على تحدي النظام والقانون، للمحافظة على شعبيتها.
وفي هذا السياق حدثت المواجهة التي أدت إلى إضاءة الضوء الأحمر، خصوصاً أن السلطة كانت تراهن على قوى الاعتدال داخل الوفاق للوصول إلى تفاهمات في سياق أي حوار وطني شامل.. والأخطر من هذا أن المغامرة غير المحسوبة، قد أثارت هذه المرة موجة من الغضب بين أوساط القوى السياسية والاجتماعية الرئيسة وعلى رأسها التجار ورجال الأعمال والصحافيين والكتاب ورجال الدين والآلاف من المواطنين الذين لم يتوجهوا باتهاماتهم للوفاق هذه المرة وإنما إلى السلطة متهمينها بالتراخي في مواجهة تجاوزات المعارضة للقانون، وهذه الموجة من الاحتجاجات اتخذت في بعض الأحيان طابعاً تحريضياً على المواجهة إلى آخر مدى ممكن بما في ذلك الدعوة إلى حل الجمعية، مهما كانت النتائج.
ورغم تفهم القلق وراء هذا الموقف على مستقبل البلاد واستقرارها في ظل استشراء العنف والتحريض المباشر وغير المباشر عليه، فإنه لا يبدو -في تقديري- موقفاً مناسباً من حيث المدى الذي يدعو إليه، لأن المواجهة الشاملة الأمنية والقانونية ليست بالحل المناسب لهذه الأزمة السياسية بالغة التعقيد، بل إن المطلوب هو العمل على التهدئة، وبناء أوسع تحالف للعقلاء -وهم بالمناسبة موجودون بين جميع الأطراف، بمن في ذلك الطرف المعارض- ومن الأفضل للبلد وأهله، بناء اتحاد للعقلاء والعقلانية السياسية التي بإمكانها لوحدها إخراج البلاد من الأزمة والتوقف عن التحريض والوصول إلى كلمة سواء لبناء ديمقراطية بحرينية توافقية قابلة للاستمرار، وأول هذه الخطوات ضرورة توقف المعارضة عن المغامرة واختبار صبر السلطة، والجنوح- بالعكس من ذلك- إلى عقلنة الحراك والمطالب، مع الحرص على تجنيب البلاد العنف والفوضى، ومنح فرص للجهود الخيرة لبناء التوافق الوطني.
إن الديمقراطية ليست مجرد شكل للحياة السياسية المحققة، إنما هي في جوهرها روح من العقلانية الجماعية التي تسري في أوصال الحياة العامّة، ونمط من التنظيم السياسي الذي يعمل على أن يضع موضع العمل الجماعي مثالاً أرقى للحياة السياسية انطلاقاً من مفهوم المواطنة، ويقف وراء اختيار المواطنين للديمقراطية كنظام أوّلاً، اختيار سابق لجملة من القيم والمثل العليا التي يتمّ تبنّيها، ولعل أهمّها قيمتان جوهريتان تمثلان في واقع الأمر حصيلة المكتسبات التي حققتها حركة الحداثة الكونية في بعديها الاجتماعي والسياسي، ألا وهما العقلانية والديمقراطية.
فالعقلانية في مفهومها البسيط تعني إحلالاً للعقل في الحياة العامّة وإدارة المؤسّسات والحياة الجماعية، وكما تعني تقيّداً كلّياً بروح القوانين، وهي إلى جانب ذلك نوع من الرّشاد الذي يحلّ الحكمة والفاعلية في إدارة الحياة العامة وحكم الناس وتسيير الشؤون، وإحكام للتنظيم في إدارة المؤسسات الإنتاجية وقدرة على وضع أجهزة التسيير العامّة موضع العمل وفق ما يحقّق علوية القانون. وتمثّل الدولة في المجتمع الديمقراطي الأداة الأرقى لتحقيق وظائف العقل في حياة الناس؛ إذ يكمن دورها ودور المؤسسات التي تتفرّع عنها في تأمين أفضل لممارسة الحكم الرّشيد وفق منظومة القيم التربوية والفكرية والروحية التي يتبناها المواطنون ليكون كفيلاً بتوفير حقوق الإنسان وإقرار المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ولتوفير أسباب الرفاهية بتنمية الاقتصاد واستخدام ثروة البلاد لفائدة المواطنين.
وكما أن الديمقراطية تفسح المجال لاحتضان التعدّد الذي تظهر عليه أطياف المجتمع، فإن العقلانية تتمثّل في الروح المحركة التي تسيّر وتنظّم الحياة العامّة وفق القانون بما هو أعلى تجسيد للعقل لضمان تعايش جماعي حرّ وتعايش أرقى بين المواطنين، فلا حكم رشيداً دون قوانين ودون ثقة في تلك القوانين وفي النظام العقلاني الذي يسيّرها، فبناء العقلانية أساس لبناء الديمقراطية في النهاية.
من هذا المنطلق فإن التوافق بين جميع الأطراف على الديمقراطية والعقلانية هو أساس ومفتاح أي حوار جاد وحقيقي للخروج من الحالة الراهن، بما يقتضي أولاً عزل القوى المتطرفة والفوضوية من خلال تحالف لقوى العقلانية والاعتدال من كل الاتجاهات.