لا شكّ أن تداعيات الأحداث السياسية المؤلمة للجميع بدأت تنخر صفوف مجتمعنا البحريني الوديع بشيبه وشبابه، ومن الطبيعي أن تؤثِّر تلك الأحداث في نفسيّة المرء، وفي مدى تقبلّه للرأي الآخر المخالف لرأيه، ولكن ليس من الطبيعي أبداً أن تتحوّل مواقع التواصل الاجتماعي إلى منابر مكرّسة لتصفية الحسابات مع هذا الشخص أو ذاك، أيّاً كان توجّهه، أو مع أتباع هذا المذهب أو ذاك، أيّاً كان موقف المنتسبين إليه، وإنه لأمر منافٍ للعقل والمنطق أن تتحوّل المساحات الإعلامية المتاحة لحرية الرأي والتعبير في البلاد، في غمضة عيّن، إلى بيئةٍ خصبةٍ للتنابز بالألقاب، وزرع بذور الشقاق والكراهية بين أبناء الوطن، فهذه الممارسات لم تكن، ونأمل ألاّ تكون في المستقبل، من شيم البحرينيين المجبولين على المحبّة والتآخي والتسامح.
أتصوّر أن أحد العوامل المهمة التي تسبّبت في بروز هذه الأوضاع الغريبة في مجتمعنا البحريني هو غياب القدرة على التعامل مع المستجدات والوقائع الطارئة، فترى البعض يتصرّف بمنتهى الأدب والذوق في تعامله المباشر وجهاً لوجه مع الآخرين، سواءً في موقع العمل أو المدرسة أو النادي أو السوق أو أيّ مكانٍ عام، ولكن ما أن يفتح جهاز الحاسوب يتذكّر أن ثمة أحداثاً أو أخباراً تشغل بال أفراد المجتمع، “ومطلوب منه” التفاعل معها بطريقته، فتراه يتحوّل فجأةً، ومن دون مبرراتٍ واضحةٍ، إلى “كاتبٍ ملهمٍ”، و«خطيبٍ مفوّهٍ”. فيشرع على الفور في انتقاد ذلك الكاتب الذي لا تتفق كتاباته مع وجهة نظره السياسية نقداً لاذعاً، ثم ينتقل إلى ذلك المغرِّد فيصّب عليه جام غضبه لأن تغريداته لا تريح أعصابه الثائرة، وهو على هذا الحال أشبه بلاعب مبتدئٍ لا يدري كيف يتصرّف في الملعب، فيظل يطارد الكرة طوال الوقت علّه يظفر بها ليسجل هدفاً، لكنه سُرعان ما يسقط من شدّة الإعياء لأنه يفتقر أساساً إلى اللياقة البدنيّة اللازمة لِلّعب.
العامل الثاني الأكثر أهميةً، على ما أظن، هو شيوع سوء الفهم بالدور المطلوب في أوقات الأزمات المجتمعيّة الحادة، فالقلّة من المواطنين العقلاء وذوي البصيرة هم فقط الذين يدركون تماماً أن المهمّة الأساسية تتمثّل في تهدئة النفوس، وتصفيتها من الأحقاد والأفكار الانتقامية البغيضة، وتحقيق الغلبة للوطن وليس لهذا الفريق أو ذاك، أما المنقادين وراء الأفكار “البرّاقة” التي تدغدغ المشاعر فيظنون أنهم يقاتلون في “معركةٍ مصيريةٍ”، فإما البقاء أو الفناء!