يعتقد البعض أن الحرب نزهة، وأن كل ما قد تخلِّفهُ الحروب التي لو نشبت -لا قدر الله- هو بعض الضحايا وبعض المنازل وتأديب عدو هنا ومعاند هناك، ثم تعود الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى.
ربما المتطرف في التفكير وفي المنهج السياسي لا يفكر بطريقة عميقة، فهو ينظر للحظة الحاضرة فقط، ويتحرك وفق المسافة التي لا تتجاوز أرنبة أنفه. بعض هؤلاء لديهم أجندات سياسية خاصة، لهذا يريدون تحقيق مصالحهم ومصالح قومهم بأي ثمن، والبعض الآخر يريدها حرباً عقائدية دينية مدمرة؛ وهي أشرس أنواع الحروب فتكاً بالإنسان والبنيان والحيوان.
المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي أعلن من لبنان؛ أن الحرب لو تجاوزت الحدود السورية فإنها سوف تأكل الأخضر واليابس، في إشارة واضحة وصريحة إلى نهاية المنطقة بأكملها.
البعض يطرق طبول الحرب، وبعضهم من خلال معتقداته الدينية والمذهبية يُبشر بها، وهناك جوقة تريدها حرباً ضروساً لإشباع رغباتهم ونزواتهم وعقدهم النفسية، أما الدول الغربية فإنها تريد أن تقع الحرب (اليوم قبل بكره)، لكن ما يؤخر هذه الإرادة هو في تعارض مصالحها النفطية والاستراتيجية التي ستتعرض لهزات عنيفة لو قامت الحرب.
الغرب يريدها حرباً مدمرة للغاية؛ فهو يريد إفلاس خزائن الوطن العربي حتى آخر دولار فيها، كما يريد للمنطقة العربية أن تعيش هذا النوع من الصراع السياسي الديني ليقوم بسرقة ما تبقى من النفط، وفي حال تصارع العرب أو نشوب الحرب الأوسطية فإنه يريد أن يظهر نفسه كرسول للسلام وحمامته الوادعة!.
إن هندسة الحرب عند الغرب، وعند أمريكا تحديداً، تعتمد بدرجة كبيرة على موازين القوى السياسية عندهم؛ فالانتخابات الأمريكية على الأبواب، ولا يمكن أن يفكر مرشحو الرئاسة الأمريكية في هذه المرحلة سوى في نجاح حملاتهم وحصد أكبر عدد من الأصوات لحصد أكبر عدد من الأرواح في منطقة الشرق الأوسط لو فاز هذا أو ذاك من أبناء التيارات اليمينة الصهيونية المتطرفة داخل واشنطن.
يجب على حكومات وشعوب الدول العربية أن يكونوا أكثر وعياً حتى لا ينجرفوا نحو حرب إقليمية قادمة، والتي لو قامت بالفعل فإنها لن تُبقي ولن تذر، فالدول دولنا والمستقبل مستقبلنا ومستقبل أجيالنا، فإذا لم نفكر في هذا الواقع المحفوف بالمكاره أو أننا استمعنا أو استجبنا لأصوات المتطرفين من القوى السياسية، سواء كانت محلية أو أجنبية، فإن الدمار الشامل سيقع لا محالة حتى يحرق الأخضر واليابس، في استعارة صريحة لتصريح الإبراهيمي.
ما يحتاجه الشرق اليوم هو المزيد من الحكمة والعقل والتريث، وعدم الإصغاء لأنبياء الحرب،؛ سواء كانوا ممن يلبسون البِذل وربطات العنق أو من الذين يلبسون العمائم من كافة المذاهب.
الشرق الأوسط يعيش فوق برميل بارود كبير، وهناك العشرات من البشر من لهم قابلية إشعال شرارته الأولى، بل ويتسابقون على ذلك الفعل الشيطاني، لهذا فإن أخذنا بيدههم نجوا ونجونا وإن تركناهم هلكوا وهلكنا.
الحرب سجال؛ ومنطقتنا العربية التي تشهد أسوأ أيامها على الإطلاق ليست محطة تجارب للموت، لهذا يجب أن نطالب بوقف الحرب القادمة، أو سوف نندم على كل طيش باركنا فيه أو سكتنا عنه، لأن الحرب لو قامت فإنها سوف تكون حرباً كونية رهيبة لم يشهد العالم أشرس وأفتك منها على الإطلاق، فهي لن تكون الحرب العالمية الثالثة أصلاً؛ بل ستكون الحرب الكونية الأخيرة، لأن بعد ذلك لن توجد دولا ولا بشرا حتى تُقام الحرب الرابعة!!.
اللهم جنبنا وجنب أوطاننا شر الحروب.. واحفظنا من كل مكروه يريده الأعداء لنا.. آمين رب العالمين.