حين تم نشر مقالي يوم الإثنين الفائت، والذي كان يحمل عنوان (ماذا لو كانوا ضحايا ميانمار من المسيح؟)، والذي تحدثت فيه عن عمليات التطهير العرقي ضد المسلمين في ميانمار من قبل الجماعات الدينية البوذية المتطرفة، وإذا بي أتفاجأ من أحد المتابعين لمقالي يرد عليَّ رداً أذهلني!!. يقول القارئ الكريم في معرض رده على استنكاري لتلك المجازر الوحشية في ميانمار قائلاً بالحرف الواحد (يا أخي أنت أخذت معلومات غير صحيحة يروج لها في الإنترنت، والأولى أن تبحث عن حقيقة هذه الأخبار.. المجازر التي رأيتها غير صحيحة ولم تحدث وهي مجمَّعة من مجازر وفياضانات سابقة.. كان الأحرى بك ككاتب أن تأخذ الأخبار من مصادرها لا من دهاليز الإنترنت) انتهى. لو كان القارئ الكريم يختلف معي في رأي أو في تحليل لواقع معين سأكون سعيداً لذلك، لكن أن يطرح معلومات مغلوطة حدث عكسها على أرض الواقع، حتى أصبحت محل إجماع إعلامي دولي وعربي، هنا تأتي المصيبة. القارئ الكريم، لم ينف المجازر وحسب، بل ذهب إلى تخيلات غريبة وعجيبة، حين أكد أن كل الصور التي نشاهدها لضحايا ميانمار هي صور لفيضانات ومجازر سابقة!!. ربما من توهم أو اعتمد على مصادر إخبارية مصورة من مواقع غير موثوقة، هو القارئ ولست أنا، هذا ما حدث بكل تأكيد، خصوصاً أنني لا يمكن أن أتناول مجازر حصلت أمام مرأى ومسمع من العالم لأنفيها بكل بساطة، بغض النظر عن التهويلات والمبالغات في نقل الأخبار والأرقام لتلك المجازر. سأكتفي هنا بذكر خبر واحد، له ملامح دولية وليست عربية، حتى لا يزعل صاحبنا من أننا نستشهد بما يقوله العرب، يقول الخبر (بدء ممثل الأمم المتحدة لحقوق الإنسان توماس أوخيا كوينتانا مهمته الأولى إلى ميانمار، ومن المقرر أن يمكث المبعوث الأممي لمدة أسبوع يلتقي خلاله مع المسؤولين الحكوميين، وزعيمة المعارضة أونغ سان سوكي وممثلي المجتمع المدني حول تطورات حقوق الإنسان في ميانمار، ويخطط المبعوث الأممي أن يزور بؤر التوتر في البلاد، خاصة ولاية راخين التي تشهد موجة من التطهير العرقي ضد المسلمين وأدت لمقتل وتشريد الآلاف). إذا لم يكتفِ القارئ بهذا الخبر، فإني أُحيله إلى موقع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، والذي جاء تحت بند (الأمم المتحدة مستعدة لمساعدة نازحي راخين) بتاريخ الثامن عشر من يونيو لهذا العام. لست محتاجاً أن أدخل في تفاصيل الخبر ونقله، لأنه اليوم أصبح متواتراً لا يقبل الكذب، وإنما عرضتُ ذلك من باب الإيضاح لكل القراء الأعزاء. بالرغم من طرح هذا الموضوع وفي هذا السياق تحديداً، إلا أنني أردت أن أكشف أمراً أكثر أهمية من صحة الخبر من عدمه، ألا وهو غياب الوعي عند بعض أفراد المجتمع، أو محاولة تغييبه عن إرادة وقصد، من أجل الوصول إلى تزييف الحقائق، بل ونفيها أحياناً أخرى، كما يجزم صاحبنا، ليوقع كل اللوم على الكاتب، فيتهمه بعدم تحري الدقة والمصداقية. إن العالم الكبير، أصبح تافهاً في ظل أدوات الوسائل الإعلامية العملاقة، حتى عاد أصغر مما نتوقع. من الممكن جداً للحقائق أن تضخَّم أو تصغَّر، لكن أن يتم نفيها نفياً قاطعاً، فهذا ما تكذبه الصورة، وفي أحيان كثيرة يمجه العقل ويرفضه الضمير.