في مجلسه الرمضاني قبل أيام طالب رئيس جمعية تجمع الوحدة الوطنية الشيخ عبداللطيف آل محمود بإحياء الأمل في نفوس أحرار البحرين الـ450 ألف مواطن الذين حضروا تجمع الفاتح الأول!
لست إطلاقاً ضد التجمع بل على العكس تماماً، لكن بشأن النقطة أعلاه سأضع «علامة تعجب» هنا، لأنها بحد ذاتها تحتاج لوقفة توضيحية.
في نفس المقام رجح المحمود إطلاق حوار وطني بغضون شهر إلى 45 يوماً لحل «المشكلة السياسية» في البلاد وتهدئة الأوضاع، «مقرراً» بأن نتائج هذا الحوار ستؤدي إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية جديدة. وأن الأزمة السياسية لا تحتاج أكثر من شهر إلى حلها.
يبدو جلياً أن قيادة التجمع كجمعية تمثل طيفاً كبيراً من أبناء الوطن المخلصين تعرف تفاصيل مهمة بشأن «القادم» وماذا سيحصل وماذا يتعين على المواطنين التعامل معه. بيد أن الحديث مازال يتضمن صيغة «الغموض» وهو ما لا يشفي غليل المواطن بشأن معرفة «ماذا يطبخ» اليوم في المطابخ السياسية بين الدولة والقوى المؤثرة في الشارع.
هنا نقول للتجمع: لا تسيروا على خط الوفاق في هذه المسألة، لا تخفوا دقائق الأمور عن الناس الذين هم مصدر قوتكم، ولا تشرعوا في اتخاذ مواقف وقرارات حاسمة ومصيرية دون الرجوع لقاعدتكم الشعبية أو أقلها طرح الحلول عليها ومعرفة رأيها فيها.
الوفاق «خدعت» شارعها بامتياز، حينما جمعتهم في تجمعات ومحافل وصرخت فيهم «صمود» و»عائدون» وعيرتهم بحراكها -وهي التي لم تقطر من قياداتهم قطرة دم بعكس مريديها- وقالت لهم «ضحينا من أجلكم»، في الوقت نفسه كانت تتجه إلى جهات رسمية بشكل شبه دائم للبحث عن مخرج لـ»مأزقها» مع شارعها، ورغبة منها في استعادة بعض المكاسب التي خسرتها بإرادتها.
الوفاق اليوم تمهد الجو لتمتص صدمة شارعها -على الأقل- وليس الشارع «المتشدد» التابع لأصوات التحريض من الخارج، أو المنتمين لأطياف أخرى بدؤوا يمتعضون من استحواذ الوفاق على كامل الصورة والحديث المطلق باسمهم، هي تمهد الجو حتى لا تلام لو عادت للبرلمان بفعل انتخابات جديدة، أو حين تجلس مع الدولة وتقبل بصيغ تفاهم تدعو بعدها لتهدئة الشارع.
شارعهم لا يعرف ماذا يخططون له، بالتالي ليس صحيحاً أن يأخذ التجمع هذا المنحى، والشيخ عبداللطيف نفسه يقول بأنه يجب إحياء الأمل في نفوس المخلصين لهذا البلد، وتقوية عزائم عشرات الآلاف لن يكون بإخفاء تفاصيل هامة عنهم، فالناس تريد معرفة مواقع أقدامها وتريد أن تعرف السيناريو القادم، ويفترض أن يكون لهم موقف بشأنه، إما مع أو ضد.
كلام الشيخ عبداللطيف يبين بأنه يعرف شيئاً، خاصة ما يتعلق بالحوار، وأنه سيفضي لحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وهذه الإجراءات الأخيرة هي ما تفرض التساؤل، خاصة وأن الحديث بصيغة «الجزم»، وعليه من حق الناس أن تتساءل بشأن المبررات لحل البرلمان لو كان هذا أحد الخيارات. هل هو تمهيد أرضية لعودة نواب الوفاق المستقيلين، بناء على رغبة أطراف خارجية، واضح بأنها باتت تعمل اليوم على «جمع رأسي» الدولة والمعارضة؟! والأخطر، هل لو وصلنا لمثل هذه النتائج يُقبل للناس أن تفهم بأنها حتى تحقق شيئاً عليها مقارعة الدولة ومناهضتها وحرق البلد وتأزيم الأمور حتى يحقق لها ما تريد، حتى لو جاء على حساب المكونات الأخرى، ما يعني بأن السيناريو القائم على الضغط سيتكرر دائماً عندما لا يعجب أحد شيئاً؟!
لن أعلق على الكلام بشأن إعداد أشخاص لولوج الانتخابات من التجمع، لأن هذه نتيجة كانت معروفة سلفاً بالنظر لوضع أي جمعية سياسية، وهي ممارسة طبيعية، وقد يكون التزام التجمع بحل قضايا الناس أكثر قبولاً من جمعيات أخرى وعدت ولم تحقق الكثير، باعتبار أن شارع التجمع أكثر عدداً ومغاير في اللهجة والأسلوب كونه ولد من رحم أزمة هددت كيان الوطن، وعليه يفترض بأي مرشح من قبل التجمع أن يتعهد للناس بـ»الترجل» لو نسيهم وركز على نفسه ومصلحته.
لكن التعليق هنا بشأن إعادة «إحياء الأمل» في قلوب المخلصين لهذا الوطن، إذ الاستفهام بشأن هذا «الأمل» ولماذا الطلب بـ»إعادة إحيائه» وكأنه شيء قد مات؟! أترون بأن الأمل قد مات في قلوب المخلصين بالفعل؟!
مطالبة الشيخ الفاضل بإعادة إحياء الأمل في نفوس الأحرار لن تكون عبر خطب كلامية ولا عبر مقالات تحفيزية ولا عبر تجمعات مبهرة للنظر في تعدادها ولا عبر وعود لا ضمانات لتحقيقها، بل إحياء الأمل يكون عندما يحس الشخص بأن صوته مسموع، وأن هناك جهة تعبر عنه بكل صدق وقوة دون تعال عليه ودون منة، جهة تستمد منه قوتها وتتقبل نقده ولو كان قاسياً، وترفض «التمصلح» أياً كان شكله ونوعه على حسابه. الناس مازالت «مصدومة» في كثير من النواب الذين أعطوهم القمر في يد والشمس في يد أخرى، وحينما وصلوا للغاية والهدف نسوا الناس تماماً إلا من رحم ربي.
إعادة الأمل يكون من خلال حراك التجمع نفسه، حينما يعبر بقوة عن رأي عشرات الآلاف، حينما يرفض أن يكون صوته أقل سماعاً من صوت المؤزمين والانقلابيين، حينما يكون ورقة صعبة لا يمكن تجاهلها، وحينما يقف منتقداً للدولة نفسها إن كانت المؤشرات تنبئ بحلول تأتي على حساب المخلصين، رافضاً القبول والتسليم بها مثلما يفعل الآخرون الذين سيظلون يحلمون باختطاف البلد رغم ما تحصلوا عليه وما وعدوا بالتحصل عليه.