عزز محمد علي باشا سلطته على مصر في الوقت الذي تعاظمت فيه قوة الدولة السعودية الأولى، فأمره السلطان العثماني بشن حملة عليها. وبحجة التشاور حول الحملة دعا منافسيه من زعماء المماليك لقلعته. ثم أغلق الأبواب وأطلق جنوده النار عليهم. حيث لم ينج من الـ470 الذين دخلوا القلعة في 1 مارس1811م إلا اثنين. ولاشك أن مصر تمر هذه الأيام بمنعطف حاد يتطلب من الرئيس د.محمد مرسي أن يخلق من نفسه رقماً صعباً في معادلة الحكم بدل صورة الأكاديمي الملتحي الوديع. فوفقاً لحسابات المنطق كان لابد من إنهاء الفترة الانتقالية، للبدء في مرحلة جديدة لبناء مصر منذ أن أقسم كرئيس.وعندما قامت مجموعة آثمة بذبح سرية مصرية كاملة مستغلة طبيعة حياة الاسترخاء في رمضان الكريم، كانت ردة فعل الأكاديمي الملتحي الوديع مرتبكة لدرجة غيابه عن مراسم التشييع. أو كما تهيأ لي شخصياً في حينه أنه أضعف من اقتناص فرصة نزلت عليه من السماء، فكتبت في “تويتر” في 7 أغسطس 2012م بعد الجريمة بيوم “كشف مقتل 35 جندياً عدم حنكة مرسي. ولو أنه سرح غريمه طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري لضعف الإجراءات وقواعد الاشتباك لصاد عصفورين بالدعم الشعبي” ولم أتلق ردوداً تخلق حواراً جاداً حول الموضوع فتركته. ثم حدث ما تمنيته في 12 أغسطس 2012. وكان أكثر ما شدني هو الترحيب الحار بمستوى استوائي بالخطوة الرئاسية الجسورة من كافة أطياف المجتمع المصري. لقد فعلها الرجل الهادئ، فاعتمر مرسي طربوش عزيز مصر الألباني حين دخل قاعة المجلس العسكري بعد الحادثة بأيام فأحال للتقاعد المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الأعلى، ومعه رئيس الأركان الفريق سامي عنان. ورئيس المخابرات ومحافظ شمال سيناء، وقائد الشرطة العسكرية والحرس الجمهوري، وقد أشارت قناة الجزيرة إلى أن الجميع قد فوجؤوا بقرار الرئيس محمد مرسي لكونه أول مدني يقود انقلاباً على العسكر. وسنستعير من بين كل علامات الدهشة التي ارتسمت على وجوه الجنرالات ذلك اليوم كلمة “لماذا”؟! لنجيب بالتالي:- لإحباط ما تحدث عنه الجميع تحت مسمى “مخططات الثورة المضادة” والتي كانت تحاك لإعاقة مسيرة التحول الديمقراطي في مصر قام الرئيس بهذه الخطوة.- لقد كانت الخطوة رسالة للأحزاب الأخرى ليظهر مرسي ممسكاً بيده زمام السلطة ولا يخشى المواجهات مع المؤسسة العسكرية.- تسببت مذبحة الجنود المصريين في خلق شرخ في مناعة سيناء كدرع لمصر في وجه الغزاة طوال تاريخها. ولعل ما جرى رسالة صهيونية لجس نبض الحكم الجديد أو لوضعه أمام الأمر الواقع وهو قابلية انكشاف مصر العسكري، فكان لابد من الرد على الرسالة الإسرائيلية بتغيير حراس الجبهة.- كان الرئيس مرسي يجيد قراءة المشهد المصري فالتقط إشارات الدعم من “حركة شباب 6 أبريل” بالإسكندرية، ومن “الجبهة الوطنية لاستكمال الثورة” وغيرها من قطاعات كبيرة ضاقت ذرعاً بتقصير الضباط الكبير وقلة مهنيتهم وتأهيلهم القديم.- لاشك أن طنطاوي كان أميناً على الثورة، ولم يقتل المتظاهرين كما يفعل الطغاة المسنين من جنرالات الجيش السوري، إلا أن سيطرة الدولة المدنية على المؤسسة العسكرية مكون أصيل من مكونات الديمقراطيات وليس العكس، وفي ذلك تقاتل جهات عدة لجعل الجيش والشرطة تحت إمرة المؤسسات المدنية الحاكمة مثل مركز جنيف لسيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة “Geneva Centre for the Democratic Control of Armed Forces “DCAF وغيره الكثير من المنظمات الدولية. فكان على الرئيس إنهاء دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة.يتوقع البعض أن تمر هذه القرارات دون وجود ردود فعل سلبية حادة. وأن يتراجع المجلس العسكري داخل نفسه منكمشاً بانتظام طبيعي، حتى يصبح مثل جيوش الديمقراطيات، فمصر تمر بظروف تتطلب أن تقصي جميع أطراف المشهد فيها كل الانقسامات ووطنية العسكر ستدفعهم لذلك. لكن حادثة القلعة عام 1811 تشير إلى أن “مراد بك” استطاع أن يقفز بجواده من فوق السور الشاهق والهرب إلى الشام. كما أفلت من رصاص الجند “علي بك السلانكلي” لأنه كان في مؤخرة الصفوف. وفر أيضاً زعيم المماليك “إبراهيم بك” إلى السودان. فإذا مارسنا حق التشاؤم التمهيدي المسموح به، فنتوقع بعض الارتدادات من جنرالات قفزوا من فوق سور قلعة مرسي 2012، من الذين لم يتم تأهيلهم في بيئة ثقافتها ديمقراطية مدنية، وسوف يزيد التوتر بين المجلس العسكري والإخوان بسبب ممارستهم لدينامية التصعيد والفجور في الخصومة. مما يعني أن على الرئيس أن يستمر في مطاردة من قفز من فوق سور القلعة