من تجربتنا في الحياة التي مررنا، كغيرنا من سائر خلق الله، تعلمنا أن الماضي ليس له وجوداً إلا في أفكارنا وذاكراتنا، والتي عادة ما تكون مثقوبة، ليس له وجود حقيقي ملموس محسوس في واقعنا الذي نعيش في أجوائه المتقلبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ونفسياً، والمستقبل، رغم التخطيط له يجلس في علم الغيب، لا شكل له ولا لون ولا رائحة، لا نعرفه، ولذلك نتركه ليقوم بحل مشاكله بنفسه، من غير أن نتدخل. من هنا أقول وأردد وأكرر، لا يملك واحدنا إلا هذه اللحظة التي يعيشها، لا أحد منا يقول إنه تنفس في الماضي وكفى، أو سوف يتنفس في المستقبل. لا أحد يقول منا إنه نام في الماضي واكتفى، أو إنه سينام في المستقبل إذا ما أتى هذا المستقبل. الحياة كلها تجتمع وتلتقي في اللحظة الحاضرة. لذلك على الإنسان أن يعيشها كما ينبغي العيش.
وما دمت ترى إلى هذه اللحظة، فأنت تتنفس. أنت في مكانٍ، مهما كان هذا المكان، وإنك حي. هل هناك أعظم وأجمل من نعمة الشعور بأنك حي.
ولكن هناك مجموعة كبيرة من الناس، لا تعيش اللحظة، بل تعيش في صحراء الذاكرة، نحيا في غبار التاريخ، تحاول استرجاع الماضي بما كان عليه، بكل أحداثه وتجاربه، هذا الماضي الذي كما قلت، لا وجود له، إلا على شكل أفكار أو تواريخ وإشعار، لا شأن لنا به.
وأتذكر بهذه المناسبة حكاية طريفة، ذكرها الدكتور علي الوردي في كتابه “مهزلة العقل البشري”، قال الدكتور علي الوردي: “لقد اندهشت حين وجدت نزاعاً عنيفاً ينشب بين المسلمين هناك حول علي وعمر.. وكانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة. وكنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع. فسألني الأمريكي عن علي وعمر: هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس “ترومين وديوي” عندنا؟
فقلت له: إن علياً وعمرَ كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاث مئة سنة، وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما كان أحق بالخلافة! فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد يستلقي على قفاه”. وضحكت معه ضحكاً فيه معنى البكاء. وشر البلية ما يضحك!
هذه الحكاية الطريفة تجعلني أقول دائماً، إن أحد أهم المشاكل التي يعيشها الإنسان المعاصر، هو الاتكاء الدائم على أحداث الماضي البعيدة عنا بعدد هائل من السنوات الضوئية، وعلى تصورات لا يمكن أن يثبتها أحد، وأن ثبتت ـ فإنها لا تعني شيئاً حقيقياً للإنسان الذي يعيش في قريته الكونية، ومادام الإنسان خليفة الله على هذه الأرض، فكل جيل مسؤول كل المسؤولية عما قام به من إنجازات لإعمار الأرض وخدمة الساكنين عليها.
على أي إنسان ألا يتصور نفسه على حق، فالحقيقة كما علمتنا كل الفلسفات الدينية وغير الدينية هي نسبية، فما نظنه صواباً هو خطأ بالنسبة للآخرين، وما نعتبره خطأ هو صواب عند آخرين.
لا أحد على حق 100% وإلا لعرفنا من سوف يذهب الجنة ومن سوف يذهب إلى النار. من هنا أرى أن على المتشبثين بالماضي، العودة إلى الرشد، وأن يكونوا على شيء من التواضع أمام أنفسهم وأمام المجتمع الذي ينتمون إليه وأمام الله سبحانه وتعالى.
أكرر الماضي لا وجود له.
المستقبل مسؤول على وقته.
{{ article.visit_count }}
وما دمت ترى إلى هذه اللحظة، فأنت تتنفس. أنت في مكانٍ، مهما كان هذا المكان، وإنك حي. هل هناك أعظم وأجمل من نعمة الشعور بأنك حي.
ولكن هناك مجموعة كبيرة من الناس، لا تعيش اللحظة، بل تعيش في صحراء الذاكرة، نحيا في غبار التاريخ، تحاول استرجاع الماضي بما كان عليه، بكل أحداثه وتجاربه، هذا الماضي الذي كما قلت، لا وجود له، إلا على شكل أفكار أو تواريخ وإشعار، لا شأن لنا به.
وأتذكر بهذه المناسبة حكاية طريفة، ذكرها الدكتور علي الوردي في كتابه “مهزلة العقل البشري”، قال الدكتور علي الوردي: “لقد اندهشت حين وجدت نزاعاً عنيفاً ينشب بين المسلمين هناك حول علي وعمر.. وكانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة. وكنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع. فسألني الأمريكي عن علي وعمر: هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس “ترومين وديوي” عندنا؟
فقلت له: إن علياً وعمرَ كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاث مئة سنة، وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما كان أحق بالخلافة! فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد يستلقي على قفاه”. وضحكت معه ضحكاً فيه معنى البكاء. وشر البلية ما يضحك!
هذه الحكاية الطريفة تجعلني أقول دائماً، إن أحد أهم المشاكل التي يعيشها الإنسان المعاصر، هو الاتكاء الدائم على أحداث الماضي البعيدة عنا بعدد هائل من السنوات الضوئية، وعلى تصورات لا يمكن أن يثبتها أحد، وأن ثبتت ـ فإنها لا تعني شيئاً حقيقياً للإنسان الذي يعيش في قريته الكونية، ومادام الإنسان خليفة الله على هذه الأرض، فكل جيل مسؤول كل المسؤولية عما قام به من إنجازات لإعمار الأرض وخدمة الساكنين عليها.
على أي إنسان ألا يتصور نفسه على حق، فالحقيقة كما علمتنا كل الفلسفات الدينية وغير الدينية هي نسبية، فما نظنه صواباً هو خطأ بالنسبة للآخرين، وما نعتبره خطأ هو صواب عند آخرين.
لا أحد على حق 100% وإلا لعرفنا من سوف يذهب الجنة ومن سوف يذهب إلى النار. من هنا أرى أن على المتشبثين بالماضي، العودة إلى الرشد، وأن يكونوا على شيء من التواضع أمام أنفسهم وأمام المجتمع الذي ينتمون إليه وأمام الله سبحانه وتعالى.
أكرر الماضي لا وجود له.
المستقبل مسؤول على وقته.