حقيقة لا أعرف السبب وراء اختيار هذه الأرقام «4-5» وإضافة كلمة «امفلعين» إليها، ولكن هذا التعبير الشعبي يستخدم عادة لبيان أن المشاركين في المسيرة «أو التجمع أو الفعالية أو المهرجان ....» أعدادهم قليلة ولا قيمة لهم أو تأثير، ولا أدري إن كان البعض يستخدم أرقاماً أخرى، ولكنها في النهاية، تصب في الخانة نفسها. أما إذا وصفت مسيرة بالحاشدة، فهذا يعني أن الأعداد المشاركة فيها كبيرة جداً، لكن إذا وصفت مسيرة بهذا الوصف، ولم تكشف الصور المنشورة عنها سوى عن أعداد قليلة، يقال على الفور إن المشاركين فيها 4-5 امفلعين. وهذا هو حال كثير من المسيرات التي تم تنظيمها في الفترة الأخيرة، وخصوصاً تلك التي تم تنظيمها في الأيام الأخيرة من رمضان، والتي تم إخراج البعض لها في أوقات غير مناسبة كالفجر مثلاً، ولعل هذا هو ما دعا بعض المواقع الإلكترونية إلى الاعتماد على الصور التي تبين مقدمة تلك المسيرات، وتركز على اللافتة المرفوعة من شخصين ويقف وراءها أقل من 4-5 امفلعين!.
المسيرات والاعتصامات والتجمعات بهذه الأعداد القليلة تعني أن الناس ملّت، وصارت تشعر أنه لا فائدة تذكر منها، عدا أنها تواجه من قبل رجال الأمن كونها خارجة على القانون.
يقول المثل «كل شي زاد عن حده انقلب ضده»، وهذا بالضبط هو واقع تلك المسيرات التي زادت حتى فقدت قيمتها، ولم يعد المشاركون فيها «يستمتعون» بها! وهي على العكس مما يراد لها تتحول من جاذبة إلى طاردة خاصة مع شعور المشاركين فيها بأنه ليس لها هدفاً واضحاً سوى القول إن مسيرة خرجت في المكان الفلاني في الساعة الفلانية وشارك فيها «حشود كبيرة»!.
المبالغة في المسيرات والاحتجاجات تعطي نتيجة عكسية، تماما مثل المبالغة في بث الشكوى. تصور شخصاً يشتكي من أمر ما، فتتعاطف معه ثم تسمعه ثانية فتزداد تعاطفاً، لكنك بسبب تكرار شكواه تصاب بحالة من الملل والاشمئزاز فيتحول التعاطف إلى موقف سلبي نتيجته أنه يخسر تعاطفك معه، ومثال على هذا، التغريدات الكثيرة التي ينشرها أحدهم، وتصف حالة أحد المسجونين في البداية كسب تعاطفاً ملحوظاً، لكن ذاك التعاطف قل مع استمراره في التغريد في الموضوع نفسه، حتى بدت مملة وغير فاعلة.
هذه حقيقة ينبغي ذكرها، المبالغة في الشيء تنفر الناس منه، فإذا تبين أن التغطية الإعلامية لتلك الفعاليات لم تكن دقيقة أيضاً فإن موقفاً سالباً يتخذه الناس تجاهها، لذا فإن الحقيقة الأخرى هي أن وصف مسيرات لا يشارك فيها إلا عدد قليل بأنها مسيرات «حاشدة» نتيجته تكون عادة عكسية لأن مثل هذا الوصف غير الدقيق يفقد المعنيين بالمسيرة المصداقية، ولهذا تأثير سلبي وعكسي.
ليس مفهوما السبب وراء السعي نحو الإكثار من المسيرات والفعاليات ضد السلطة، التفسير الوحيد لها هو محاولة استعطاف العالم عبر القول إن البلاد تعاني من حالة عدم استقرار، وأن الدليل هو كثرة المسيرات والاحتجاجات. لكن العالم أيضاً له عيون وعقل، ويستطيع أن يميز الأمور، ويصدر الأحكام، لذا فإن عرض فيديو يظهر أعداداً قليلة من المشاركين في مسيرة، ووصفها بالحاشدة، يؤدي إلى وضع الكثير من علامات الاستفهام، وهذه العلامات تزداد مع اكتشاف عمليات المونتاج التي تحدث أحياناً للتأكيد على أن تلك المسيرات حاشدة، فالعالم قادر على التمييز بين الحقيقي والممنتج وإن تم بثه عبر «العالم»!.
كثرة المسيرات لا تؤدي بالضرورة إلى تحقيق ذلك الهدف المريب، ووصفها بأنها حاشدة، وهي ليست كذلك يكشف منظميها، فالعالم يستطيع أن يميز بين المسيرات الحاشدة وتلك التي قوامها «4-5 امفلعين»!.