ربما يكون الوقت حان لكثير من القوى السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني بل لكل من يعنيهم الأمر، التدقيق في المشهد “العربي” الراهن، الذي أخذت فيه الشكوك تطغى ويتراجع اليقين والاطمئنان ويحل التشاؤم بدل نفحة التفاؤل، التي هبّت ذات يوم من تونس وامتدت إلى مصر ثم ما لبثت أن تحولت إلى عواصف عاتية، منحت ريح إسناد لقوى الرجعية والتخلف التي اغتنمت الفرصة فتقدمت الصفوف وراحت تطرح خطاباً مبهماً لا وضوح فيه، إلا لنفي العروبة واعتبارها عبئاً أو أن ثمة بديلاً عنها بات جاهزاً وهو الإسلام السياسي بنسخه المختلفة وهوياته ومرجعياته المتعددة، محمولاً بالطبع على كمّ لا ينتهي من الفتاوى و«التحريمات” التي تطال كل شيء لا يناسب فكرهم ونظرتهم وخطابهم وثمة بالطبع ما هو “محلل” ولكن وفق قياسهم.
ما يجري منذ أن هبّت رياح ما وصف بـ«الربيع العربي”، الذي تحوّل إلى شتاء قارس، يزيد من القناعة بأن الترتيبات والتظبيطات والتحالفات التي يجري معظمها في الخفاء ولا يظهر على السطح إلا القليل، أو الذي يصعب إخفاؤه أو ما تكشفه زلات الألسن وتسريبات الأجهزة السرية “المقصودة في معظمها”، لا تأتي من فراغ بل وفق برامج وخطط زمنية تلحظ موازين القوى وطبيعة المتغيرات، وبالتالي تريد -أمريكياً وأوروبياً على وجه الخصوص- التحكم في المآلات حتى لا تخرج خاسرة أو على الأقل الحد من الخسائر، وإيجاد مناخات مواتية لتجيير هذه الاندفاعة “غير المتوقعة في الأساس” لصالحها، بما يخدم مصالحها وأمنها القومي واستراتيجيتها الكونية، إضافة إلى أنها لم تتمسك ذات يوم بحليف أو صديق، ما بالك بالتابع أو العميل الذي جاءت به على ظهر دبابة أو بانقلاب داخلي، ناهيك عن أنها لم تضع “فيتو” على شكل أو “لوك” الحاكم سواء كان ملتحياً أم ملحداً، اشتراكياً “بالحكي فقط” أم رأسمالياً.. فقط الأولوية لمصالحها والورقة الخضراء “الدولار” جاهزة لعقد الصفقات.
هنا تحضر التفاهمات التي جرى بموجبها تغيير قواعد اللعبة بعد أن سقط اثنان من أبرز أتباع واشنطن فيما يشبه الحلم الذي فضحه ارتباك إدارة أوباما ونفاق إدارة ساركوزي وسقطات برلوسكوني وانغيلا ميركل وديفيد كاميرون.. وبدأت آلة الإعلام الرهيبة “الغربية والعربية” بالعمل على بث المزيد من السموم والأحبولات الإعلامية والشائعات والفبركات والقصص التي لا سند لها على أرض الواقع، مستفيدة من حال الانقسام الذي أوجدته الانتفاضات الشعبية وتصدّر جماعات الإسلام السياسي المشهد أو التمهيد لتصدرها عبر القول بأنها الأكثر تنظيماً وخبرة وتمويلاً وغيرها من الصفات التي يراد من ورائها إضفاء “الشرعية” عليها والتسليم بأن عصرها قد حان وأن زمانها قد تجلّى وأن الوقت “مناسب” لدفن المرحلة القومية، ولهذا برز من يتحدث عن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” وغاب عن قصد وتصميم مصطلح الوطن العربي أو الثورات العربية واستبدلت إما بالمصطلح السابق “الشرق والشمال” أم بالثورات الإسلامية، ثم بدأ الحديث عن مشاورات ورسائل علنية ودائماً سرّية بين واشنطن وجماعات الإسلام السياسي وراح القصف يشتد على كل ما هو قومي وعروبي وخصوصاً ناصري ووجدوا الفرصة أكثر من سانحة عند اندلاع الأزمة السورية ليهيلوا التراب على كل فكر قومي “بتجاربه غير الناجحة أو الفاشلة أو حتى الفكرة المجردة” لأنهم يريدون اجتثاث العروبة ودفنها.
يحدث هذا بتواطؤ مع هيكل متصدع آيل للسقوط اسمه الجامعة العربية التي أدارت ظهرها بل وفي ازدراء مطلق، لميثاقها وفكرتها واتفاقاتها وتفاهماتها وانحاز إلى أي موقف يزيد من الفرقة والتصدع ويمنح بعض الأنظمة “العربية من أسف” المزيد من الوقت لتتفيه كل ما هو وحدوي أو عروبي على نحو لم تعد العروبة مرغوبة أو مطلوبة ولا أهمية لشيء اسمه الأمن القومي أو اتفاقية الدفاع المشترك التي استبدلت باتفاقات مع المستعمرين الجدد، عبر القواعد والتدريبات المشتركة وغيرها من العناوين المخترعة بل ثمة من يستدعي “حدود التوسل” أي تدخل خارجي لحل الأزمات العربية أو المشاركة في إطاحة هذا النظام أو ذاك بصرف النظر عن المخاطر والأكلاف و«الاندثار” الذي ينتظر الأجيال العربية التي لم تعد حتى اللغة العربية جامعة لشتاتها، وكل يريد التهرب من استحقاق العروبة وأكلافها التي دفعتها أجيال عديدة، قبل أن تبرز الدولة الوطنية التي ما لبثت أن تحولت إلى دولة فساد واستبداد ونهب وقمع وتنكيل، فوجد أعداء العروبة “داخل هذه الأمة” الفرصة للتحالف مع الخارج لتشويهها والإساءة إليها في محاولة لاجتثاثها.
فهل نتركهم ينجحون؟
عن صحيفة «الرأي» الأردنية
{{ article.visit_count }}
ما يجري منذ أن هبّت رياح ما وصف بـ«الربيع العربي”، الذي تحوّل إلى شتاء قارس، يزيد من القناعة بأن الترتيبات والتظبيطات والتحالفات التي يجري معظمها في الخفاء ولا يظهر على السطح إلا القليل، أو الذي يصعب إخفاؤه أو ما تكشفه زلات الألسن وتسريبات الأجهزة السرية “المقصودة في معظمها”، لا تأتي من فراغ بل وفق برامج وخطط زمنية تلحظ موازين القوى وطبيعة المتغيرات، وبالتالي تريد -أمريكياً وأوروبياً على وجه الخصوص- التحكم في المآلات حتى لا تخرج خاسرة أو على الأقل الحد من الخسائر، وإيجاد مناخات مواتية لتجيير هذه الاندفاعة “غير المتوقعة في الأساس” لصالحها، بما يخدم مصالحها وأمنها القومي واستراتيجيتها الكونية، إضافة إلى أنها لم تتمسك ذات يوم بحليف أو صديق، ما بالك بالتابع أو العميل الذي جاءت به على ظهر دبابة أو بانقلاب داخلي، ناهيك عن أنها لم تضع “فيتو” على شكل أو “لوك” الحاكم سواء كان ملتحياً أم ملحداً، اشتراكياً “بالحكي فقط” أم رأسمالياً.. فقط الأولوية لمصالحها والورقة الخضراء “الدولار” جاهزة لعقد الصفقات.
هنا تحضر التفاهمات التي جرى بموجبها تغيير قواعد اللعبة بعد أن سقط اثنان من أبرز أتباع واشنطن فيما يشبه الحلم الذي فضحه ارتباك إدارة أوباما ونفاق إدارة ساركوزي وسقطات برلوسكوني وانغيلا ميركل وديفيد كاميرون.. وبدأت آلة الإعلام الرهيبة “الغربية والعربية” بالعمل على بث المزيد من السموم والأحبولات الإعلامية والشائعات والفبركات والقصص التي لا سند لها على أرض الواقع، مستفيدة من حال الانقسام الذي أوجدته الانتفاضات الشعبية وتصدّر جماعات الإسلام السياسي المشهد أو التمهيد لتصدرها عبر القول بأنها الأكثر تنظيماً وخبرة وتمويلاً وغيرها من الصفات التي يراد من ورائها إضفاء “الشرعية” عليها والتسليم بأن عصرها قد حان وأن زمانها قد تجلّى وأن الوقت “مناسب” لدفن المرحلة القومية، ولهذا برز من يتحدث عن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” وغاب عن قصد وتصميم مصطلح الوطن العربي أو الثورات العربية واستبدلت إما بالمصطلح السابق “الشرق والشمال” أم بالثورات الإسلامية، ثم بدأ الحديث عن مشاورات ورسائل علنية ودائماً سرّية بين واشنطن وجماعات الإسلام السياسي وراح القصف يشتد على كل ما هو قومي وعروبي وخصوصاً ناصري ووجدوا الفرصة أكثر من سانحة عند اندلاع الأزمة السورية ليهيلوا التراب على كل فكر قومي “بتجاربه غير الناجحة أو الفاشلة أو حتى الفكرة المجردة” لأنهم يريدون اجتثاث العروبة ودفنها.
يحدث هذا بتواطؤ مع هيكل متصدع آيل للسقوط اسمه الجامعة العربية التي أدارت ظهرها بل وفي ازدراء مطلق، لميثاقها وفكرتها واتفاقاتها وتفاهماتها وانحاز إلى أي موقف يزيد من الفرقة والتصدع ويمنح بعض الأنظمة “العربية من أسف” المزيد من الوقت لتتفيه كل ما هو وحدوي أو عروبي على نحو لم تعد العروبة مرغوبة أو مطلوبة ولا أهمية لشيء اسمه الأمن القومي أو اتفاقية الدفاع المشترك التي استبدلت باتفاقات مع المستعمرين الجدد، عبر القواعد والتدريبات المشتركة وغيرها من العناوين المخترعة بل ثمة من يستدعي “حدود التوسل” أي تدخل خارجي لحل الأزمات العربية أو المشاركة في إطاحة هذا النظام أو ذاك بصرف النظر عن المخاطر والأكلاف و«الاندثار” الذي ينتظر الأجيال العربية التي لم تعد حتى اللغة العربية جامعة لشتاتها، وكل يريد التهرب من استحقاق العروبة وأكلافها التي دفعتها أجيال عديدة، قبل أن تبرز الدولة الوطنية التي ما لبثت أن تحولت إلى دولة فساد واستبداد ونهب وقمع وتنكيل، فوجد أعداء العروبة “داخل هذه الأمة” الفرصة للتحالف مع الخارج لتشويهها والإساءة إليها في محاولة لاجتثاثها.
فهل نتركهم ينجحون؟
عن صحيفة «الرأي» الأردنية